“الأمن” مقابل “البيزنس”

محمد عصمت

 

 

زيارة ترامب للسعودية

في زيارة ظاهرها “الأمن” وباطنها “البيزنس”، جاءت اجتماعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع كبار المسؤولين في الملكة العربية السعودية، لترتكز على نقطة أساسية وهي تسويق الأوهام حول تهديدات إيرانية خطيرة لدول الخليج، أجبرت الرياض على عقد صفقات سلاح أسطورية مع واشنطن بلغت 110 مليارات جنيه على أن تصل إلى 350 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وتوقيع اتفاقيات تجارية تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، والاتفاق على إقامة تحالف عسكري إسلامي لمواجهة التنظيمات الإرهابية، قد يسفر أيضا عن شراء أسلحة أمريكية أخرى بمليارات الدولارات!

أما لقاء الرئيس ترامب بزعماء الدول الإسلامية، فقد كشف “بيان الرياض” الذي صدر في ختام القمة العربية الإسلامية الأمريكية عن حرص الولايات المتحدة على عدم التورط في الحرب المنتظرة على الإرهاب، إذ تم الإعلان عن تأسيس ما سمي بـ”تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” العام المقبل، وترحيب العديد من الدول – لم يذكرها البيان ـ للمشاركة في تشكيل قوة عسكرية تتكون من 34 ألف جندي لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا عند الحاجة، وهو ما يعني بوضوح عدم مشاركة قوات أمريكية بشكل مباشر في هذه الحرب، وهو أمر يثير العديد من التساؤلات الغامضة حول طبيعة “الإرهابيين” في سوريا، وهل يعنى ذلك مساندة قوات الأسد ضد معارضيه المتطرفين، أم شن حرب على قوات الأسد، أم على قوات الطرفين معا؟! وماذا عن التنظيمات المتطرفة التي كانت تدعمها السعودية وغيرها من الدول الإسلامية وأمدتها بالمال والسلاح، بعلم إدارة اوباما، لإسقاط نظام الأسد عسكريا؟.

وحتى في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي ريكس تلرسون، مع نظيره السعودي عادل الجبير، فقد قال بوضوح “إن محور زيارة الرئيس دونالد ترامب للسعودية هو كبح أي تهديدات للمنطقة تشكلها إيران” دون أن يشير الوزير الأمريكي ولو بالتلميح إلى سوريا، والذي تطالب الرياض بوضوح بإسقاط نظامها، وهو ما يلقي بالمزيد من التساؤلات حول الدور الذي من الممكن أن تلعبه هذه القوة العسكرية في سوريا، ومن هو الطرف الذي سيحدد مهامها، وماذا لو حدث خلاف حول هذه المهام العسكرية بين الدول المشاركة في تشكيل هذه القوة؟ وهو نفس الأمر الذي ينطبق على العراق، فلا أحد يعلم هل تقوم هذه القوة بمساندة الحكومة التي تربطها علاقات قوية بإيران في مواجهاتها مع التنظيمات المتطرفة، أم تساند هذه التنظيمات التي تعادي حكومة بغداد؟!

كل هذه التساؤلات لم تتعرض لها قمة الرياض، ولم تعط لها أية أهمية رغم خطورتها، وكأن كل المطلوب من القمة هو وضع المنطقة على حافة توتر بين الدول الخليجية وإيران، لكي يتمكن ترامب من تقديم مسوغ قوي لبيع أسلحة بمليارات الدولارات للرياض، ينقذ بها اقتصاد بلاده الذي يواجه أزمات طاحنة منذ عام 2008، وتواجه ميزانيتها عجزا يبلغ 14 تريليون دولار، في نفس الوقت الذي يواجه فيه ترامب أزمات داخلية طاحنة تشكك في قدرته على قيادة أمريكا، وتهديدات حقيقية قد تطيح به من منصبه على خلفية أزمة “الكرملين – جيت”، وتدخل روسيا لمساندته فى الانتخابات، وقد جاءت هذه الصفقات العسكرية والتجارية السخية التي عقدها مع السعودية، لتوفر له دعما سياسيا كبيرا يساعده في مواجهة أعدائه في أمريكا سواء من الحزب الديمقراطي، أو حتى داخل الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه!

نجاح ترامب في صفقاته العسكرية والتجارية لم يكن هو المكسب الكبير الوحيد الذي حققه، فقمة الرياض كانت خطوة مهمة جديدة في الانقلاب الاستراتيجي في العقل السياسي العربي، حيث أصبحت إيران والتنظيمات الإرهابية – في نظر هذه القمة – هي الخطر الذي يهدد الدول العربية وليس إسرائيل بسياساتها العدوانية، وبخططها الرامية إلى قيادة الإقليم كله، وليس فقط اعتراف دولها بها، وهو ما نجحت زيارة ترامب في تحقيقه من خلال قمة الرياض، لتبقى أبواب تطبيع الدول العربية مع إسرائيل مفتوحة على مصراعيها، وربما تكون هي الخطوة القادمة على جدول أعمال القمة المقبلة المزمع عقدها في الولايات المتحدة الأمريكية العام المقبل في واشنطن، خاصة وأن التلميحات حول عقد”صفقة القرن” بين الدول العربية وإسرائيل لا تزال موجودة في خلفية المشهد، بل ربما هي التي تحرك الأحداث في الشرق الوسط الآن، خاصة أن إسرائيل لا تخفي عداءها لإيران ورغبتها في القيام بعمل عسكري ما ضدها!

لكن الأمر الذي يجب أن يدركه العالم العربي هو أن واشنطن بسياساتها البراغماتية لن تمانع في إشعال الخليج العربي بمواجهات عسكرية تستخدمها كمبرر لتواجدها في الخليج وأداة لتحقيق مصالحها وتوطيد السيادة الإسرائيلية في الشرق الأوسط وإضعاف الدول الإسلامية، لتصبخ قطعة من قطع الشطرنج التي تحركها الولايات المتحدة كيفما شاءت ومتي ما شاءت.

اترك تعليقاً