أوروبا تقف عند مفترق طرق

 

صعود الخطاب المتطرف ضد المسلمين سيولِّد عنفاً يذكِّرنا بفظائع القرن الماضي

 

احمد الجمال

 

حذر عالم الاجتماع الباكستاني- الأميركي أكبر أحمد من صعود الخطاب المتطرف في أوروبا خلال السنوات المقبلة، وإنشاء معسكرات اعتقال وتضييق الخناق على الأقليات والفظائع المروعة التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي، في إشارة منه إلى الاضطهاد الذي عاشه اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي مقالة نشرها ديفيد فروم، كبير محرري مجلة The Atlantic الأميركية، هي عبارة عن مراسلات متبادلة بينه وبين أحمد بخصوص تأثير هجرة المسلمين إلى أوروبا وتصاعدها خلال السنوات الأخيرة؛ إذ اعتبر عالم الاجتماع الباكستاني أن “أوروبا تقف عند مفترق طرق”، وأوضح أنه إذا استطاع قادة أوروبا إعادة اكتشاف تقاليدها التعددية والإنسانية وتكيُّفها مع القرن الـ21، “يمكن لأوروبا أن تكون مرة أخرى منارة للحضارة حول العالم”.

أكبر أحمد، عبَّر في ردٍّ له على إحدى مراسلات ديفيد فروم، عن شعوره بالقلق إزاء احتمال اندلاع العنف والصراع في المستقبل، وقال: “آمل أن يتمكن قادة أوروبا من توجيه القارة من خلال الحكمة والتعاطف والشجاعة في هذا الوقت العصيب”.

 

المسلمون واليهود أعداء الأوروبيين

واعتبر الأستاذ في الجامعة الأميركية في واشنطن والمفوض السامي السابق لباكستان لدى المملكة المتحدة، أن بعض الأوروبيين باتوا يتحدثون بصراحة عن “العدو الخارجي” الذي يقصدون به المسلمين، و”العدو الداخلي” الذي يقصدون به اليهود، وأضاف، لقد قلنا: “لن نكرر ذلك مرة أخرى” بعد الهولوكوست ويجب أنَّ نُذكَّر أنفسنا بعدم السماح بتكرار هذه الفظائع المروعة.

وبالنسبة لـ”أكبر”، فإنه كان يُنظر في مرحلة ما من الزمان إلى المسلمين على أنَّهم يمثلون حضارة عالمية قوية ومتطورة وغنية، “عندما كان العلماء المسلمون، والفلكيون، والجراحون، وعلماء الرياضيات في طليعة تخصصاتهم”، وأوضح أنه من المفارقات اليوم أنَّ المسلمين يُنظر إليهم على أنَّهم لاجئون معدَمون يهربون من الحكام المسلمين المجانين والمتعطشين للدماء. 

واعتبر أنه بهذا الشكل، من المفهوم أنَّ الأوروبيين لن يروا الإسلام كجزء من الحضارة الأوروبية، ويرى أحمد أن الأوروبيين سيصبحون مرتاحين إذا قدَّروا تاريخهم، “عندما كان المسلمون جزءاً كبيراً من الثقافة والتاريخ الأوروبيَّين، وكان لهم أثرهم على عصر النهضة والثورة العلمية والتنوير”.

 

3 فئات من المسلمين

ويؤكد أحمد أن أعمال الإرهاب التي يرتكبها المسلمون تسببت في الكثير من الوفيات، ويضيف أن الإسلام أصبح الآن موضوعاً ساخناً للغاية في أوروبا. لكن بالنسبة للعالِم الباكستاني، فإنه يجب التمييز بين 3 فئات واسعة ومتداخلة في بعض الأحيان داخل الإسلام: الإسلام الحرفي، أولئك المسلمون الذين يعتقدون أنه لكي تكون مسلماً صالحاً يجب عليك الالتزام بنص الشريعة الإسلامية وروحها. ثم هناك الصوفيون؛ أولئك الذين يؤمنون باحتضان دافئ وشامل للإنسانية، التي تعكس حب الإله لكل الخليقة. وأخيراً، هناك الحداثيون، أولئك الذين يؤمنون بالموازنة بين الإيمان والحداثة.

وبالنسبة لأكبر أحمد، فإن هؤلاء الذين هم في الفئة الأخيرة يعتقدون أنَّ الحداثة، ومن ضمنها خصائص الديمقراطية والمساءلة، والإسلام متوافقان. هذه الفئة هي التي تقع تحت التهديد مباشرة من الإسلاميين الذين يطبقون الشريعة حرفياً.

واعتبر أحمد أن الإسلام الحداثي بحكم التعريف لا يمكن أن يشجع على العنف؛ لأنَّه يقوم على الديمقراطية وحكم القانون. يمكن للإسلام الحرفي، الذي يظهر على أنَّه بطل الإسلام ويضع الحدود حول العقيدة، أن يكون في بعض الأحيان حافزاً للجماعات التي تتبنى العنف. قد تستخدم هذه المجموعات التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت؛ ومن ثم يفترض خطأ أنَّها من مروجي الأفكار الحديثة.

 

الجيل الثالث من المهاجرين

ويرى أكبر أحمد أن علاقة الأقلية المسلمة بالبلد المضيف تختلف في كل دولة أوروبية، فذلك “يعتمد على العلاقة التاريخية مع بلدهم الأصلي وظروف وصولهم”.

ويوضح أنه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كان العامل المشترك الذي عرَّف المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا هو أنَّهم كان يُنظر إليهم ببساطة على أنَّهم مسلمون، “أي إنَّهم مُعرَّفون بالدين ولم يعودوا مُعرَّفون بعد ذلك ببلدهم الأصلي أو عِرقهم أو مذهبهم أو طبقتهم الاجتماعية أو مهنتهم”.

ويدرج أحمد مثالاً على التغيير الذي حصل في أوروبا وتعاملها معه المسلمين، عندما استعرض جواباً لسفير ألماني، حيث قال: “من قبلُ على سبيل المثال، عندما سألناه عن الهوية الألمانية والمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، إنَّه قبل 11 سبتمبر/أيلول، كانوا يطلقون عليهم الأتراك، الآن معروفون جميعاً باعتبارهم مسلمين، سواء كانوا أتراكاً أو أكراداً أو إيرانيين أو باكستانيين”.

تأثير هذا التغيير في التعامل مع المهاجرين في أوروبا من المسلمين كان وقْعه أكبر على الجيل الثالث، حيث اعتبر عالِم الاجتماع الباكستاني أن الجيل الثالث من المهاجرين المسلمين الذين وُلدوا كمواطنين في الولايات المتحدة أو أوروبا “يشعر بردِّ الفعل السلبي الكامل للتحامل ضد المسلمين”.

وهو ما يجعل بعض الشباب والشابات عرضة للوعظ والإغراء من الإسلاميين الحَرفيين الأكثر تطرفاً، الذين لا يرون تعايشاً ممكناً بين الإسلام والغرب.

لكن، يؤكد أحمد ضرورة عدم التغاضي عن حقيقة أنَّ المسلمين يساهمون أيضاً في المجتمعات الغربية بطرق مهمة، مثل رؤساء بلديتي لندن وروتردام، وأكثر من 10 أعضاء في مجلس اللوردات ومجلس العموم، ومثل أعضاء البرلمان في أماكن مثل ألمانيا وفرنسا، وهم من أبرز مذيعي التلفزيون، وكذلك هم أبطال رياضيون في ألعاب رياضية كثيرة.

 

وعلى الرغم من تعرُّض كل من المسلمين واليهود لضغوط من اليمين المتطرف الأوروبي، “فهناك أيضاً هجمات للمسلمين على المتاحف اليهودية والمدارس والأفراد”، يقول أكبر أحمد. ويضيف أنه لحسن الحظ، هناك أيضاً العديد من الأمثلة التي وجدنا فيها وئاماً بين اليهود والمسلمين، مثل المعابد العديدة التي تصونها المساجد المجاورة، “هناك أيضاً العديد من المسلمين واليهود الذين التقيناهم، وغالباً ما يكونون شباباً، والذين يعملون بنشاط على تعزيز العلاقات على نحو أفضل”.