أوبئة عصفت بالبشرية، كورونا ليس أولها

سامي عيد

منذ أكثر من أربعة أشهر وفيروس كورونا يجتاح العالم شرقاً وغرباً بلا حواجز تعيق تمدده أو إجراءات تمنع خطره.

وفي آخر تطوراته، وبعد نحو ثلاثة أشهر على ظهوره في الصين، أعلنت منظمة الصحة العالمية الفيروس، الذي سُمّي “كوفيد-19″، جائحةً عالمية (وباء منتشر عالمياً).

منذ بدء تفشي هذا الوباء سجّل الشهر الماضي حالة خاصة مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن الفيروس الذي بات منتشراً في جميع بقاع الأرض هو جائحة ما دفع بالدول إلى تشديد إجراءاتها وفرض المزيد منها منعاً لتوسعه. وتم تعليق رحلات الطيران، وأغلقت المدارس والجامعات، وفرضت دول الحجر الذاتي على سكانها بينما اتجهت أخرى إلى إقفال حدودها البرية والجوية والبحرية بشكل تام.

عالمياً أعلنت الصين، أن كورونا بدأ رحلة التراجع مع تسجيل ثماني إصابات فقط في إقليم هوبي، بؤرة تفشيه حيث يسجل للمرة الأولى أقل من عشر حالات في يوم واحد.

وأعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، منع السفر من وإلى الدول الأوروبية، وقال ترمب، إن الحظر لن يشمل بريطانيا أو “الأميركيين الذين يمرون عبر الإجراءات المناسبة”.

وطالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة على تويتر، من صندوق النقد الدولي تمويلاً طارئاً لمكافحة تفشي وباء كورونا الذي تضررت منه بلاده بشدة.

أوبئة القرن العشرين

“ثورة كورونا” هذه، وعلى النحو الذي نتابعه، ليست جديدة على الجنس البشري، الذي شهد منذ فجر التاريخ أمراضا وأوبئة، سممت الحياة اليومية، وعصفت بالأحلام والطموحات…

فما الذي شهده الأسلاف على هذا الصعيد، وكيف تعاملوا مع الأمراض المتفشية؟

في العام 1775 وصل المكتشف جيمس كوك إلى جزيرة هاواي، التي كان يسكنها حوالي نصف مليون شخص حينها، معزولة تماماً عن أوروبا وأميركا ولم تتعرض لأي من أمراض هاتين القارتين من قبل. الكابتن كوك ورجاله حملوا معهم إلى هاواي أول انفلونزا يتعرض لها سكان الجزر، وكذلك مرض السل والسفلس الزهري. ومع وصول زوار أوروبيين إلى الجزيرة، أتت حمى التيفوئيد والجدري. وخلال 78 سنة، أي في عام 1853، تبقى 70 ألف من السكان الأصليين على جزر هاواي.

الكوليرا والطاعون والجدري والأنفلونزا من الأوبئة التي قتلت الملايين عبر التاريخ. وبالرغم عن وجود الكثير من الأمراض التي لحقت بالبشرية، فما تزال منظمات الصحة تخشى الأوبئة لتعدد أنواعها وأشكالها واختلاف مصادرها وصعوبة رصد مصدرها وإيقاف تفشيها وإيجاد علاج أو لقاح يوقف انتشارها.

ففي الحرب العالمية الأولى قتلت الانفلونزا الإسبانية آلاف الجنود الفرنسيين وتنقلت عبر شبكة التجارة العالمية إلى جميع القارات وأصابت نصف مليار شخص، أي ثلث سكان الأرض، وقتلت من 50 إلى 100 مليون شخص.

عام 1970 وبعد القضاء على وباء الجدري وتطوير لقاحات ومضادات حيوية تقي وتشفي من أمراض عديدة، ظن الخبراء أن البشر انتصروا على الميكروبات.

بينما شهد القرن الحالي هبوطاً ملحوظاً في انتشار الأمراض مقارنة بالقرن الماضي، فالعقدين الأولين من القرن الـ21  شهدا سلسلة من الأوبئة التي انتشرت وحصدت أرواح الملايين تعيد تذكيرنا بضعفنا اتجاه الميكروبات والفيروسات، المعروف منها والغير معروف.

أوبئة القرن الحادي والعشرين

في العقود القليلة الماضية، انخفضت حالات الإصابة بالأوبئة وتأثيرها بشكل كبير، وبالأخص معدل وفيات الأطفال، باعتباره مؤشرا لتحسن الأوضاع الصحية. وفقا لإحصائيات فإن معدل وفيات الأطفال منخفض أكثر من أي وقت مضى: يموت أقل من 5% من الأطفال قبل بلوغهم سن الرشد. هذا الرقم غير المسبوق إنجاز يحسب لطب القرن العشرين الذي زودنا باللقاحات والمضادات الحيوية ولتحسن في مستوى النظافة.

على سبيل المثال، فإن حملة لقاح الجدري العالمية في 1979 كانت ناجحة جدا، حتى أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن “البشرية قد انتصرت” وأنه تم القضاء على الجدري تماما. في عام 1967 كان الجدري قد أصاب 15 مليون شخص وقتل 2 مليون منهم… في 2014 لم يصب شخص واحد بالجدري. وكان ذلك انتصاراً حقيقياً لدرجة أن منظمة الصحة العالمية توقفت عن التلقيح ضد الجدري.

على الرغم من الخسائر البشعة التي خلفها الإيدز، وموت الملايين كل عام بسبب الأمراض المعدية مثل المالاريا، فإن الأوبئة تشكل تهديدا على صحة الإنسان اليوم أقل بكثير مما كانت عليه في مئات السنين السابقة. فمعظم الوفيات اليوم تكون من أمراض غير معدية مثل السرطان وأمراض القلب، أو ببساطة الشيخوخة.

أسلوب حياتنا يساهم بانتشار الأمراض

لكن أسلوب حياتنا في هذا الزمن أضاف تحديات لم يواجهها الإنسان من قبل تسببت بتفشي الأمراض. فقد نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً أشارت فيه الى أربع مخاطر وتحديات نواجهها في القرن الـ21 بانتشار الأمراض:

أسلوب الحياة الغربي

هناك عوامل جديدة تؤدي إلى التضخيم في انتشار الأمراض، إما لإزدياد الاتصال بين البشر، أو بين الحيوانات والبشر. ففي عصر التغير العالمي السريع، لا مفر من العديد من هذه العوامل. من بينها التنقل السريع، مع زيادة النقل والسفر الدولي، وزيادة التواصل بين المدن الكبرى التي تمثل مراكز نقل رئيسية للطائرات والقطارات ومركبات الطرق والسفن.

اللجوء الى تدابير الوقاية التقليدية

يبدو أن العديد من تدابير الاحتواء التقليدية لم تعد فعالة بسبب عدم رغبة الناس بالخضوع لها. لذلك ينبغي على السلطات المعنية النظر في إعادة إعتبار أساليب الحجر الصحي بحيث يصبح أكثر تقبلا عند الناس.

الإنصاف والتضامن

الوصول للعلاج أو الأدوية عند البلدان المنخفضة الدخل أو التي تواجه حالات طوارئ إنسانية لا يزال صعباً، ويكون أصعب عندما يكون إنتاج اللقاح أو العلاج محدود. آليات السوق لا تضمن التوزيع العادل للموارد بناء على متطلبات الصحة العامة.

وباء الشائعات

الانتشار السريع للمعلومات بجميع أنواعها، بما في ذلك الشائعات والقيل والقال والمعلومات غير الموثوقة. وهي تنتشر على الفور وعلى صعيد دولي من خلال الاستخدام المتزايد للهواتف المحمولة والوسائط الاجتماعية والإنترنت وغيرها من تقنيات الاتصال.

فيروس كورونا لا يزال في أسابيعه الأولى، ويصعب توقع عدد المصابين أو القتلى الذي سيخلفه الفيروس، ومن الصعب مقارنته بالأوبئة السابقة.

ولكن سؤالا لا يزال من دون جواب: هل سيتم العثور على علاج أو لقاح لفيروس كورونا في غضون أشهر أم سيستغرق سنوات؟

.