هل يمكن تعطيل تدفقات النفط في الخليج ؟
احمد الجمال
قال قائد الحرس الثوري الإيراني: إن طهران ستمنع كل الصادرات من المرور في مضيق هرمز بالخليج، إذا استجابت الدول لدعوات أميركية للتوقف عن شراء النفط الإيراني، بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني. وتمر في المضيق 20 بالمئة من إمدادات النفط العالمية من منتجين في الشرق الأوسط إلى أسواق رئيسية.
وتتضمن الفقرات التالية مواجهات سابقة في الخليج كانت إيران طرفاً فيها، والقدرات العسكرية للأطراف المختلفة، والسياق الدبلوماسي لأحدث التهديدات:
إجراءات في السابق
لا يمكن لإيران من الناحية القانونية أن تغلق الممر المائي؛ لأن جزءاً منه يقع في المياه الإقليمية لسلطنة عمان.
لكن السفن تمر في مياه إيرانية تحت مسؤولية سلاح البحرية بالحرس الثوري الإيراني.
وفي 2016 استجوب الحرس الثوري واحتجز بحارة أميركيين أثناء الليل، بعد أن دخلوا إلى المياه الإقليمية الإيرانية في منطقة أخرى في الخليج.
وقبل ذلك بعام، أطلقت إيران طلقات باتجاه ناقلة ترفع علم سنغافورة قالت إنها ألحقت أضراراً بمنصة نفطية إيرانية، كما احتجزت سفينة حاويات وطاقمها أسبوعاً، بسبب نزاع حول دين بعد أن قامت زوارق دورية في المضيق بإجبارها على تحويل مسارها. وفي2007 احتجزت إيران بحارة بريطانيين في منطقة إلى الشمال في الخليج.
وتجري إيران أيضاً مناورات حربية سنوية، وتختبر صواريخ كروز وصواريخ باليستية متوسطة المدى. وفي 2014 قال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني: إن إيران قد تستخدم ما لديها من صواريخ وطائرات دون طيار وألغام وزوارق سريعة وقاذفات صواريخ في منطقة الخليج؛ للتصدي للولايات المتحدة.
وفي 2015، أجرى الحرس الثوري تدريبات، عرضت على شاشات التلفزيون الرسمي، جرى خلالها تدمير نسخة هيكلية لحاملة طائرات أميركية بصواريخ وزوارق سريعة محملة بمتفجرات، بينما قام أفراد من الحرس الثوري بزرع ألغام في المضيق.
وفي الأعوام القليلة الماضية، وقعت مواجهات متكررة بين الحرس الثوري وقوات أميركية في الخليج.
وقالت البحرية الأميركية: إنه في الفترة من يناير/كانون الثاني 2016 إلى أغسطس/آب 2017 وقع في المتوسط 2.5 حادث تداخل «غير آمن» أو «غير احترافي» شهرياً، بين البحرية الأميركية وقوات بحرية إيرانية، بما في ذلك تحليق طائرة إيرانية دون طيار، بالقرب من سفينة للبحرية الأميركية. واتهمت طهران قوات أميركية بالاستفزاز.
وقال سلامي، هذا العام: «أمنهم وأمن مصالحهم في المنطقة في أيدينا»، رغم أن عدد الحوادث هبط في الأشهر القليلة الماضية.
حرب الناقلات بين العراق وإيران
وأثناء الحرب الإيرانية -العراقية التي استمرت بين عامي 1980 و1988 هاجم كل من البلدين سفناً في الخليج لعرقلة الصادرات النفطية للبلد الآخر، فيما عرف بحرب الناقلات.
وفي 1988، أصيب طراد أميركي بأضرار عندما ارتطم بلغم إيراني، حسبما قال المكتب الأميركي للمخابرات البحرية. وأضاف المكتب أن الولايات المتحدة ردت بتدمير منشأتين نفطيتين إيرانيتين وإغراق سفينة حربية إيرانية، وألحقت أضراراً بسفينة أخرى.
التوازن العسكري
ومهمة الأسطول الخامس الأميركي، الذي مقره البحرين، هي حماية السفن التجارية في المنطقة. وقال مسؤولون أميركيون: إن إغلاق مضيق هرمز سيكون تجاوزاً «لخط أحمر»، وتعهدوا باتخاذ إجراءات لإعادة فتحه.
وقال الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية لرويترز: «لدينا القوات التي نحتاجها للحفاظ على تدفق حر للتجارة وحرية الملاحة».
وتجري قوات بحرية من دول غربية أيضاً تدريبات عسكرية في الخليج وفي دول عربية على الجانب الآخر من الخليج، قبالة إيران، وخصوصاً السعودية ودولة الإمارات المتحدة، لديها قدرات بحرية متقدمة التكنولوجيا.
وقال تقرير المكتب الأميركي للمخابرات البحرية، العام الماضي: إن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني حصلت على زوارق هجومية سريعة وزوارق صغيرة وصواريخ كروز وألغام مضادة للسفن. وأضاف أن تلك القدرات لا يمكنها منافسة التكنولوجيا الغربية.
وقالت الولايات المتحدة: إنها ستستخدم كاسحات ألغام وسفناً حربية مرافقة وربما ضربات جوية؛ لحماية حرية تدفق التجارة، لكن إعادة فتح المضيق قد تكون عملية تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً إذا قام الحرس الثوري بزرع ألغام.
وقال مايكل كونيل، رئيس برنامج إيران في مؤسسة سي.إن.إيه الأميركية للبحوث غير الهادفة للربح، إنه من بين كل قدرات إيران فإن الألغام هي على الأرجح التي تثير معظم القلق.
تكتيكات التفاوض
ويختلف مسؤولون إيرانيون بشأن أهمية أحدث تهديد لإغلاق مضيق هرمز.
وقال مسؤول إيراني بارز وقائد سابق بالحرس الثوري شارك في الحرب ضد العراق، في ثمانينات القرن الماضي، لرويترز: «بدعوتها الدول إلى وقف مشترياتها النفطية من إيران، فإن أميركا أعلنت بالفعل الحرب على إيران».
«إذا وصلنا إلى الحد الذي لا يكون بمقدورنا تصدير أي نفط، فإننا بالتأكيد سنغلق الممر المائي».
ووضع مسؤول آخر، طلب أيضاً عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع، التهديد في سياق المحادثات مع القوى العالمية حول مستقبل الاتفاق النووي.
وتقول إيران: إنها لن تبقى في الاتفاق، الذي يحررها من عقوبات دولية في مقابل قيود على برنامجها النووي، إلا إذا كان هناك ما يضمن مصالحها.
وقال المسؤول الحكومي الإيراني الثاني: «قضية المضيق تمنح إيران موقفاً مهيمناً في المحادثات. يجب على الجميع أن يعلموا أن إيران لا يمكن أن تذعن للضغوط». وأضاف قائلاً: «إيران لم تغلق أبداً الممر المائي… حتى في أسوأ الظروف».
ورقة قديمة – جديدة
الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني كان أول من هدد بإغلاق بلاده مضيق هرمز، عندما كان رئيساً للبرلمان عام 1983، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).
وقال رفسنجاني حينها: «لا داعي لإغلاقنا مضيق هرمز بواسطة السفن، إذ يكفي يومياً أن نستهدف منتصف المضيق مرتين يومياً بواسطة مدافعنا التي يبلغ مداها 48 كم، فمن سيكون قادراً على العبور من المضيق وقتها؟ ويمكننا حتى بواسطة بنادق الكلاشينكوف إغلاق المضيق».
وفي عام 2011، أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عزم بلاده إغلاق مضيق هرمز، رداً على إعلان الولايات المتحدة عزمها فرض عقوبات على بيع النفط الإيراني.
وصرّح نائب الرئيس الإيراني وقتها محمد رضا رحيمي قائلاً: «إذا ما تم فرض عقوبات على النفط الإيراني فإننا سنغلق مضيق هرمز، ولن نسمح بمرور حتى ولو قطرة واحدة من النفط عبر المضيق».
وقتها خرج رئيس القوات البحرية الإيراني اللواء حبيب الله سياري قائلاً: «إن إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لنا سهل بمقدار شرب الماء».
وعقب ذلك، أطلقت إيران تدريبات عسكرية في المضيق، تحت شعار «تدريبات إغلاق مضيق هرمز»، حسبما أعلن، حينها، نائب رئيس الحرس الثوري علي أشرف نوري.
وكما صرح آنذاك وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، عام 2012، قائلاً: «لن نسمح لإيران بإغلاق مضيق هرمز أمام مرور النفط، ويعتبر هذا الأمر خطاً أحمر بالنسبة للولايات المتحدة».
تصريحات مماثلة أدلى بها مسؤولو الأسطول الأميركي الخامس في البحرين بتلك الفترة، إذ حذروا أن مضيق هرمز يحتل مكانة مصيرية بالنسبة لنقل النفط والاقتصاد العالمي، وقالوا إنهم لن يسمحوا لأية جهة بتقويض حرية حركة نقل النفط في مضيق دولي.
أهمية مضيق هرمز
يشير الخبراء إلى أن استمرار الجانب الإيراني في التدريبات والمناوشات مع عناصر البحرية الأميركية، منذ سنوات طويلة، عقب كل توتر في العلاقات بين طهران وواشنطن، ما هو إلا محاولة من إيران لإثبات سيطرتها على مضيق هرمز.
ويعتبر مضيق هرمز واحداً من الشرايين الرئيسية حول العالم في نقل النفط، حيث يمر عبره نحو 80% من النفط السعودي، والعراقي، والإماراتي، والكويتي، في طريق التصدير إلى دول معروفة باعتمادها العالي على مصادر الطاقة مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وسنغافورة.
حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، فإن مضيق هرمز يعد المضيق الأول حول العالم من حيث كمية النفط التي تمر عبره، حيث بلغ معدل مرور النفط اليومي منه عام 2016، حوالي 18.5 مليون برميل، ما يشكل نحو 40%من تجارة النفط عبر البحار.
يحيط بالمضيق من سواحله الشمالية إيران، ومن الجنوب سلطنة عمان، بينما يقع في أضيق منطقة بين خليجي البصرة وعمان، بعرض يبلغ حوالي 50 كم، في حين يبلغ عرض الممر الخاص بعبور سفن الشحن الثقيلة نحو 10 كم.
ويعد المضيق من جهة أخرى، النقطة الوحيدة التي تنفتح منها صادرات دول الخليج العربي وإيران من النفط إلى المحيط.
واكتسب المضيق أهمية إضافية عقب فشل تشغيل خط أنابيب النفط السعودي، الذي أُنشأ كبديل لنقل النفط عام 1974، بالدرجة المرجوة.
صعوبات إغلاق المضيق
في مقال نشره عام 2009 تحت عنوان «تكلفة وصعوبات إغلاق مضيق هرمز»، أكد الباحث ويليم د. أونيل أن «إغلاق إيران للمضيق سيولد نتائج من شأنها تخفيض عائدات النفط الإيراني، وتضرر البنى التحتية الحساسة، وإضعاف القوات المسلحة الإيرانية».
وأشار إلى أنه يتعين على إيران من أجل إغلاق المضيق أن تكلف غواصتين بالعمل المكثف لمدة أسبوع لزرع حوالي ألف لغم بعرض المضيق، لافتاً إلى أن الأمر غير ممكن بواسطة الغواصات لعدم عمق المياه بالشكل الكافي.
وأضاف في ذات الشأن أن زرع الألغام بواسطة السفن غير ممكن أيضاً لسهولة اكتشافها خلال قيامها بالمهمة.
ويؤكد محللون أن إيران لا تمتلك اليوم المقومات التي تؤهلها لاستخدام القوى الجيوسياسية بالمنطقة، خاصة في وقت تحولت فيه العقوبات الاقتصادية إلى أزمة داخلية، ما يجعل طهران غير قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، قياساً إلى التوترات السابقة بين الجانبين.
وبالرغم من تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز خلال زيادة وتيرة التوترات مع الجانب الأميركي في فترات سابقة، فإنها لم تتخذ أية خطوات من شأنها توليد نتائج ثقيلة ضدها، سواء بموجب القوانين الدولية، أو موازين القوى العالمية.
ومع أن احتمال إغلاق إيران للمضيق يبدو ضعيفاً، إلا أنه قد يكون السبب في إحداث مشاكل هائلة لنظامها قد تعجل بنهايته، مع انتشار مشاكل اجتماعية واقتصادية داخلية عديدة في أنحاء إيران، من قبيل ارتفاع الأسعار، والتضخم، والبطالة، والفساد، والجفاف، ونقص المياه.
وفي الوقت الذي قد يفضي فيه إغلاق إيران للمضيق إلى ارتفاع أسعار النفط لصالح السعودية، والإمارات، وروسيا، والولايات المتحدة، ستؤدي هذه الخطوة لإلحاق الضرر بالصين والدول الأوروبية.