هل تتهاوى أوروبا؟
أحمد الجمال
يبدو ان خريطة العالم ليست راضية عن ملامحها .. بعض الخطوط تريد التغيير لترسم حدودا جديدة فتضيف تفاصيلا أخرى أملا في واقع مختلف ..
خلال الفترة الأخيرة تصاعدت اتجاهات انفصالية في مناطق مختلفة من العالم بدوافع سياسية، أو عرقية، أو دينية، ولعل المشهد الأبرز تجري إحداثه في كردستان العراق وإقليم كتالونيا في اسبانيا..
وتؤكد الدراسات والتحاليل الخاصة بقراءة ظاهرة تصاعد النزعات الانفصالية اليوم على أن المصالح الاقتصادية والإستراتيجية بصدد رسم حدود العالم من جديد، وذلك وفق خطّتين رئيسيتين:
الخطة الأولى عبر تغذية الصراعات الطائفية وزرع الإرهاب في بعض الدول ، على غرار ما يجري في الشرق الأوسط .
والخطة الثانية تقوم على دعم الحركات الانفصالية واللعب على وتر مبدأ “حق تقرير المصير” على أساس أنه حق ينادي به الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
كتالونيا
رغم تعليق كارلس بيغديمونت، رئيس حكومة إقليم كتالونيا المتمتع بحكم ذاتي شرقي إسبانيا، إعلان الانفصال، إلا أن الحركات الانفصالية داخل دول أخرى بالاتحاد الأوروبي لا تزال تمني نفسها بإتمام الخطوة، التي ستفتح شهيتها، بحسب مراقبين، نحو خطوات مماثلة.
هؤلاء المراقبون، رأوا أن استفتاء انفصال كتالونيا عن إسبانيا، سيشجع الحركات الانفصالية في بلدان مثل بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا من جهة، وسيثير القلق لدى سلطات تلك البلدان من جهة ثانية.
واعتبروا أن الاستفتاء الذي أجراه إقليم كتالونيا مطلع أكتوبر، رغم التوتر وتدخل الشرطة الإسبانية لتعطيله، مثل نقطة تحول.
ففي إسبانيا، يراقب إقليم “الباسك” شمال شرقي البلاد ،عن كثب محاولة إعلان كتالونيا انفصالها.
وكانت منظمة “إيتا” الإسبانية الانفصالية التي تخلت عن أسلحتها في 2011، تطمح إلى انفصال إقليم الباسك وإنشاء دولة مستقلة للباسكيين، وذلك بضم إقليم نافارا المحاذي للإقليم، وكذلك ضم إقليم الباسك الفرنسي.
ومطلع الشهر الماضي، أجرى إقليم كتالونيا، استفتاءً للانفصال عن إسبانيا، وأعلنت حكومة الإقليم، أن نسبة من صوتوا لصالحه بلغت 90%، فيما تصفه مدريد بـ”غير الشرعي”، وسط أزمة بين الجانبين.
على من سيأتي الدور
لا يستبعد أن تؤدي مطالب الاستفتاء في كردستان وكاتالونيا إلى فتح شهية أقليات أخرى للمطالبة بالاستقلال أو الانفصال .. فإلى جانب كردستان العراق هناك مناطق أخرى في دول عربية مختلفة تطالب بالاستقلال أو الانفصال، مثل الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو وجنوب اليمن الذي يرغب في تأسيس دولة منفصلة عن الشمال وليبيا أيضا التي يتهددها التقسيم منذ مدة ليست بالبسيطة، وكان إقليم دارفور الذي يعيش حربا أهلية، قد شهد تنظيم استفتاء السنة الماضية بإشراف أممي، وأدى إلى فوز البقاء مع شمال السودان، وفي المناطق الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون يريدون إقامة دولة منفصلة تحت اسم “أمبازونيا”..
وفي أوروبا مضي نصف قرن عما أفرزته الحرب العالمية الثانية، وبعد النزعة القومية والحقبة الاستعمارية للشعوب، تغير وجه العالم، ولكن حركات مختلفة الأشكال وذات نزعات قومية وعرقية موؤودة ، أضحت تتحدى الفكرة الحديثة لوحدة الدولة الوطنية، وهي تنشط بدرجات متفاوتة، وجميعها تعمل في اتجاهات مختلفة.
إقليم الباسك
ويتطلع العديد من الكاتالونيين أيضا إلى منطقة الباسك في إسبانيا، إذ أن الحكومة المركزية في مدريد تجمع ضرائب من مختلف المناطق الإسبانية وتقوم بتوزيعها على المناطق الإسبانية الأخرى، باستثناء إقليم الباسك. ويتمتع إقليم الباسك بمجلس نيابي خاص به وتتكفل مؤسساته المحلية بتحصيل الضرائب الأساسية، ويحظى بدرجة عالية من الاستقلالية الذاتيةِ تسمحُ له بالحكم والإدارة المباشرين في مجالاتٍ مثل: المالية وتحصيل الضرائب والصناعة وتنشيط الاقتصاد والبحوث والمستحدثات والنقل والإسكان والبيئة والتعليم والصحة والأمن العام.
تدير دولة الباسك الأسبانية الإيرادات الضريبية من تلقاء نفسها وتدفع مبلغا صغيرا فقط إلى مدريد لكن إقليم الباسك الإسباني أضعف اقتصاديا من كاتالونيا.
وعلى الرغم من أن القومية الباسكية ولغة الباسك قد قمعت أيضا تحت حكم ديكتاتورية فرانكو، إلا أن أقلية صغيرة من القوميين الباسكيين تنشط في أنحاء الإقليم.
وقد قتلت منظمة ايتا الباسكية اكثر من 800 شخص على مدار 50 عاما لبلوغ هدف انفصالها عن مدريد. وفي عام 2011، تعهدت منظمة إيتا بالتخلي عن العنف.
إسكتلندا
رغم ان عمر الاتحاد بين اسكتلندا وبقية المملكة المتحدة يبلغ حوالي 300 عاما، إلا أن الاسكتلنديين ظلوا يسعون جاهدين من أجل المزيد من الحكم الذاتي منذ فترة طويلة. ويطالب الحزب الوطني الاسكتلندي بالحكم الذاتي الكامل حيث أن لديهم بالفعل برلمان خاص بهم.
وفي عام 2014، وافقت لندن على تنظيم استفتاء مستقل من أجل تحديد مصير الاتحاد، حيث صوتت غالبية الاسكتلنديين ضد الانفصال. إلا أن نتائج البريكست البريطاني عام 2016، وما تبعه من مطالبة بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أثار النزاع مجددا بين اسكتلندا الراغبة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي وبين بقية المناطق البريطانية الراغبة بالانفصال.
وهناك توجه في الإقليم لإجراء استفتاء ثان لتحديد مصير الروابط المستقبلية.
في الانتخابات البرلمانية البلجيكية الأخيرة لعام 2014، أصبح التحالف الفلمنكي الجديد برئاسة بارت دي فيفر Bart De Wever في المناطق الفلمنكية “مقاطعة فلانديرز”.
وقد وجدت بلجيكا نفسها منذ استقلالها عن هولندا سنة 1830 مقسمة اجتماعيا وسياسيا، بين القومية الفلامنكية (القريبة إلى الهولندية) واللاتينية، التي تتحدث باللغة الفرنسية.
ويعتقد السياسي البلجيكي بارت دي فيفر أن بلجيكا بشكلها الحالي مآلها إلى الزوال، وهو يريد الانفصال، وتكوين مقاطعة مستقلة.
وإذا تم الانفصال فإن بلجيكا ستفقد أكثر من نصف سكانها، وستكون القضية الرئيسية ماهية وضع العاصمة بروكسل، والتي هي مقر الاتحاد الأوروبي، ومقر الناتو.
بادانيا
هي حركة انفصالية بشمال إيطاليا تأسست عام 1989 وسميت برابطة الشمال لاستقلال بادانيا ، وهي حركة اقتصادية بحتة.
وتنادي تلك الحركة باستقلال الشمال الإيطالي وبخاصة كل من مناطق ( لومباردي، أوستا، بيدمونت، ليغوريا، فينيتو وإميليا رومانيا) والتي تحتوي على تجمع رأس المال، والأذرع الاقتصادية مثل البنوك والمؤسسات. ويعتقد الشماليون أن وسط وجنوب البلاد يبددون المال الذي يكتسبونه بشق الأنفس. وفي فترة التسعينات أراد حزب “ليجا نورد” الانفصال الكامل.
وقد أصبح التوتر السياسي أكثر ميلا إلى الهدوء حاليا، إلا أن القلق ما زال يراود بقية المناطق الإيطالية لتركز رأس المال في الشمال، بدلا من تركزه في العاصمة روما.
جنوب تيرول
في جنوب تيرول بإيطاليا تلعب العوامل الاقتصادية والسياسية والتاريخية والثقافية جميعها، من أجل الانفصال عن إيطاليا. وقبل الحرب العالمية الأولى، كانت تنتمي هذه المنطقة إلى النمسا والمجر، لكنها أصبحت جزءا من إيطاليا، في نهاية الصراع على الهيمنة على هذه المنطقة الهامة ، ويتحدث 70% من الذين يعيشون في جنوب تيرول اللغة الألمانية .
ويطالب سكان هذا الإقليم بالاستقلال عن إيطاليا منذ استعمارها، إلا أن الحزب المحلي فشل في التحول إلى حركة سياسية قوية يمكنها أن تأخذ خطوة مثل إجراء استفتاء.
واكتسبت المنطقة المزيد من الأهمية وذلك بسبب العائدات الاقتصادية الجيدة، خاصة بعد تراكم الديون على إيطاليا، والتي تعتبر الدولة صاحبة الأكثر مديونية أوروبيا بعد اليونان، مما أدى إلى إثارة مخاوف سكان تيرول من تأثرهم اقتصاديا بتلك الديون.
كورسيكا
تتمتع هذه الجزيرة المتوسطية بوضع خاص حيث تعتبر هي الوحيدة في فرنسا من خارج أقاليم ما وراء البحار التي تحظى بمزيد من السلطات بعيدا عن السلطات الفرنسية.
وقد حاولت فرنسا التخلص من اللغة الكورسيكية في المدارس والحياة العامة في الجزيرة، إلا أنها فشلت. وبعد عقود من الصراع أعلنت المنظمة المسلحة السرية “جبهة التحرير الوطني في كورسيكا”، في يونيو 2014 التخلي عن السلاح من أجل تعزيز العملية السياسية.
لكن احتمالات الصراع ما زالت قائمة. وتخشى السلطات الفرنسية من مطالبة أقاليم فرنسية أخرى مثل بريتانى او الالزاس بالانفصال، وهو ما تعتبره خطرا على وحدة البلاد.
بافاريا (بايرن)
قليل من البافاريين يرغبون حقا في إقامة دولة خاصة بهم، وتحمل الولاية اسم Freistaat أي ” ولاية بافاريا الحرة” في الوثائق الرسمية. وتعتبر منطقة بافاريا الإقليم الألماني الوحيد الذي لديه حزب يمثله في البرلمان، حيث يتحالف الحزب “الاتحاد المسيحي الاجتماعي cdu” مع حزب “الاتحاد المسيحي الديمقراطي csu” الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل.
وإذا أرادت الولاية الانفصال عن ألمانيا فإنها تستطيع الاعتماد على نفسها، إذ أنها تملك اقتصادا قويا. كما أنها الولاية الأكبر مساحة ضمن الولايات الألمانية، وبعدد سكان يفوق 13 مليونا، أي أكثر من عدد سكان دول مثل السويد أو البرتغال.
وقد ظهرت بعض البوادر الانفصالية السياسية مثل ما نادى به السياسي من “الحزب المسيحي الاجتماعي” فيلفريد شارناغيل” والذي أصدر كتابا عام 2012 بعنوان “بافاريا تستطيع العيش وحدها”، إلا أنه لغاية اليوم لم تظهر حركات سياسية كبيرة تتبنى هذا النهج.
وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ظهرت في الخارطة الأوروبية دولتان جديدتان معلنتان من طرف واحد، هما جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان في جنوب شرق أوكرانيا، واللتان رفض سكانهما انقلابا في كييف بداية عام 2014 وتخوضان صراعا ضد الجيش الأوكراني من أجل استقلالهما.
أمبازونيا
بالانتقال إلى قارة افريقيا ..نجد أن المطالب بالاستقلال ترجع في الأساس إلي أن القارة الإفريقية تقطنها جماعات وعرقيات مختلفة في معظم الأحيان تتعقد مصالحها فتلجأ إلي المطالبة بالاستقلال عن نظام حكم معين.
احدث تلك المطالبات تجري الآن في المناطق الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون حيث يريدون إقامة دولة منفصلة تحت اسم “أمبازونيا” . ويعود انقسام الكاميرون إلى نهاية الحرب العالمية الأولى عندما قسمت عصبة الأمم الكاميرون، المستعمرة الألمانية السابقة، بين فرنسا وبريطانيا المنتصرتين في الحرب ، وكانت المنطقة الناطقة بالإنجليزية قد انضمت للكاميرون الفرنسي بعد استفتاء عام 1961. ومنذ فبراير عام 2008 تصاعدت الأصوات في المناطق الناطقة بالإنجليزية مطالبة بالاستقلال تحت اسم أمبازونيا، وذلك في ظل ما وصفوه بالحرمان الاقتصادي والتهميش.
بيافرا
حاول سكان إقليم بيافرا الانفصال عن نيجيريا وتكوين دولة مستقلة خاصة بعرقية الإيبو في 30 مايو 1967 وحتى 15 يناير 1970.
وقد حصلت الجمهورية الانفصالية على اعتراف عدد قليل من الدول و هم هايتي و الجابون و كوت ديفوار و تنزانيا و زامبيا .
وقد دعمت إسرائيل الانفصاليين بإمدادهم بالأسلحة السوفييتية الصنع التي استولت عليها من العرب وكذلك دعمت البرتغال الانفصاليين نكاية في نيجيريا الداعمة لاستقلال المستعمرات البرتغالية في أفريقيا.
وكانت جزيرتي ساتومي و برنسيب البرتغالية قاعدة للإمدات الإنسانية للدولة وكانت معظم مكاتب التمثيل الخارجي لجمهورية بيافرا توجد في لشبونة وكذلك تم طبع العملة المحلية لبيافرا في لشبونة.