ليبيا فوق صفيح ساخن

إرث القذافي

عاطف عبد العظيم

تصعد حكومة الوفاق الليبية من تحركاتها لإحباط جهود مصر لإنهاء النزاع الليبي وإحلال السلام والتصدي للتدخلات الأجنبية وفي مقدمتها التدخل التركي.

وفي هذا الصدد أعلن وزير الخارجية الليبي الطاهر سيالة رفض بلاده دعوة مصر إلى عقد اجتماع وزاري للجامعة العربية حول ليبيا، لكون القاهرة لم تستشر طرابلس في ذلك. جاء ذلك في اتصال هاتفي مع وزير الشؤون الخارجية بسلطنة عمان يوسف بن علوي، رئيس المجلس التنفيذي للجامعة العربية، بحسب بيان للخارجية الليبية.

وقال البيان، أن سيالة أبلغ بن علوي أيضا، أن “ليبيا هي المعنية بالاجتماع، والقاهرة لم تلتزم بالقواعد الإجرائية في الدعوة للاجتماع، باعتبار أن ليبيا لم تُستشر في ذلك، كما أن الملف يحتاج إلى نقاشات ومداولات معمقة لا مجرد اتصال بالفيديو”.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر من تجاوز سرت والجفرة، معتبرا أنهما “خط أحمر” بالنسبة للأمن القومي المصري، وقال السيسي لقوات الجيش خلال تفقد قاعدة جوية قرب الحدود مع ليبيا إن “أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية”.

تركيا والوفاق

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إن بلاده تدعم موقف حكومة الوفاق التي تدعو إلى انسحاب قوات خليفة حفتر من مدينتي سرت والجفرة لضمان وقف إطلاق نار مستدام. وأضاف قالن أن أنقرة تتفهم المخاوف الأمنية “المشروعة” للقاهرة حيال الحدود المصرية الليبية، غير أن هذه الأخيرة تتبع “سياسة خاطئة” بدعم حفتر، على حد تعبيره.

ورأى قالن أن حفتر “كان غير موثوق منذ البداية، وقوّض جميع اتفاقات الهدنة ومبادرات خفض التوتر”. وقال إن “الحكومة الليبية لن تدعم أي مفاوضات حفتر طرف فيها، وهذا هو الاستنتاج الذي نستخلصه من موقفها ونؤيده”، مضيفا أن تركيا ستبقى في ليبيا “طالما أن الحكومة الليبية تريد بقاءنا”

وكشف تسريبات عن اموال تقدر بـ12 مليار دولار قدمتها حكومة فائز السراج في طرابلس لتركيا التي تتدخل عسكريا في النزاع مع الجيش الوطني ونشرت قوات ومرتزقة في ليبيا.

وفي حين تعزز هذه الانباء المعلومات التي تؤكد ان حكومة السراج والميليشيات المتحالفة معها تدفع باتجاه التبعية التامة لتركيا، إلا ان هذا يعني من جهة اخرى ان حكام طرابلس خضعوا لابتزاز تركيا من اجل البقاء في السلطة.

وذكر موقع “ليبيا ريفيو” ان حكومة السراج اودعت 4 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، بالاضافة الى 8 مليارات اخرى لدفع كلفة التدخل العسكري التركي بما فيها استئجار القوات والسفن التركية والمرتزقة والارهابيين السوريين.

وتمت الموافقة على ايداع المبالغ خلال زيارة وفد تركي برئاسة وزير الخارجية مولود تشاوش اوغلو الاربعاء لطرابلس، حيث التقى السراج ومساعديه.

وبحث الجانبان خصوصا سبل تطبيق الاتفاقية العسكرية والأمنية التي وقعتها تركيا مع حكومة السراج في نوفمبر/تشرين الثاني، واعتبرتها انقرة المنفذ الذي يتيح التدخل العسكري المباشر في ليبيا. وترتبط الاتفاقية باتفاق اخر حول حقوق التنقيب في شرق المتوسط، وقعه الجانبان وأعطى لتركيا اليد الطولى في التحكم بمصادر الطاقة في ليبيا.

القوى الأخرى في ليبيا

القوى الخارجية  في ليبيا وما أكثرها، راهنت على سهولة إسقاط النظام الليبي مقابل  تقاسم الغنائم، فعمدت ساعتها إلى رفع سقف توقعاتها من سهولة الانتقال الى مراحل ما بعد القذافي، وهدوء البلاد، لكنها سرعان ما أدركت في الاخير أن بناء دولة ما بعد القذافي  شيء  صعب المنال، فقد تفتت ليبيا، وتحولت الى شيء يشبه  بممالك الطوائف، كل طرف له حسابات خاصة ومواثيق وولاءات تربطه  بطرف خارجي آخر،  أجندته لا تتفق بالضرورة مع المعطيات المطروحة .

فرنسا التي كان لها الدورُ الرئيس في سقوط القذافي،  راهنت هي الأخرى  على موقع  ليبيا الإستراتيجي، الذي كانت ترى فيه مدخلا سيعيدها الى المغرب العربي من بابه الواسع ، ويجعلها الحارس الأول على كل ما يدور في المنطقة  الممتدة من الساحل  الى بحيرة تشاد، هذا المستنقع الافريقي الذي ورثته فرنسا من تاريخها الاستعماري، والذي أفقدها العشرات من أبناءها لحد الان .

فرنسا أعادت حساباتها أكثر من مرة فيما يخص الملف الليبي منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وفي كل مرة  يتأرجح  دعمها بين  حكومة السراج الشرعية المعترف بها دوليا (كما تسمى) ، وجنود المشير خليفة حفتر.

هذا الموقف الذي يكشف عن تأرجح في المواقف تنتهجه الولايات المتحدة الامريكية أيضا ، خصوصا  في عهد الرئيس دونالد ترامب. فواشنطن  قدمت التشجيع في أوقات مختلفة للسراج، وللجنرال حفتر أيضا، ولم تتوانى عن قصف  المتطرفين الجهاديين الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا. هذا التدخل التركي الذي لا ينظر له بعين الرضى،  بل وقُرأ على أن أنقرة  تحاول إغراق  منطقة المغرب العربي في مستنقع الارهاب والجهاد الجديد الذي لا يحمل صيغة دينية، بل شعاره عجرفة  المرتزقة، ومن يدفع أكثر نقدم له جرائم أفظع، ما يجعل الكثير من المحللين يصيغون الامر في جملة متآكلة مفادها ” نقل المستنقع السوري الى ليبيا والمغرب العربي”.

في الناحية المقابلة وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ليبيا خارطة شطرنج جديدة بعد سوريا، تسمح له باستعراض قدرته،  وحنكته، وتُبقي على بلاده الدولة العظمى التي لا حلول ممكنة دون إستشارتها، وعقد الاتفاقات المثمرة معها.

بوتين أرسل الطائرات الحديثة وحشد مرتزقة  “فاغنر” التي تأتمر بأوامر”يفغيني بريغوزين” الموالي له،  والذين  لعبوا دورا محوريا أيضا  في سوريا ، لتصبح ليبيا  ساحة تجارب،  تُستعرضُ  فيها قوة الأسلحة، والمهارات العسكرية  المكتسبة من هذا الطرف وذاك.

أمام هذا الوضع المرشح للانفجار في أية لحظة، مع قليل من الإرهاب السياسي والإسلاموي، تجد أوروبا نفسها على فوهة بركان بحكم قربها الجغرافي من منطقة النزاع الليبي ، فأوروبا على مرمى 200 كيلومتر فقط من ليبيا.

لكن لا أحد يستطيع الجزم بأن أصحاب القرار الآن على استعداد لحسم الأمور، وإذا ما كان حسم القضية الليبية مدرجة الآن على أجندتهم أصلا، طالما يديرون الأمور بطريقة التحكم عن بعد، ولا خسائر لهم فيها تُأَلب ُ الري العام عليهم .

.