قلق بشأن الحريات العامة تحت غطاء مكافحة الوباء

محمد عبد المنعم

خرج الآلاف إلى الشوارع في ألمانيا للتعبير عن غضبهم حيال خطط تلقيح محتملة، أو رقابة مفترضة من الدولة، في إطار موجة احتجاجات تتنامى، وأثارت قلق كثيرين، من بينهم المستشارة أنغيلا ميركل.

وخلال الأسابيع الأخيرة، تفاقمت الاحتجاجات التي بدأت بحفنة من المتظاهرين الرافضين القيود المشددة، التي فُرِضت على الحياة العامة، لوقف انتقال العدوى بفيروس كورونا المستجد، لتجذب الآلاف في كبرى المدن الألمانية.

وكُتِب على لافتات رُفعت “كورونا زائف” و”لا للعزل والكمامات والتعقّب واللقاحات” و “أين الحرية؟.

ووقعت صدامات في المظاهرات بين أنصار نظريات المؤامرة ومحتجين مناهضين للإغلاق والشرطة، وأوقفت الشرطة في برلين مئتي شخص خلال مناوشات.

القناع أفضل من القبعة

وأظهر استطلاع أنّ ألمانيّاً واحداً من كل أربعة أعربوا عن تفهّمهم التظاهرات، واتّخذت ألمانيا في مارس (آذار) إجراءات غير مسبوقة لتجميد الحياة العامة.

وفي حين تدعم غالبية كبيرة الخطوة، وهو ما يمنح حكومة ميركل تأييداً واسعاً، فإن هناك معارضة تتشكّل، خصوصاً على الإنترنت، إذ تجذب تسجيلات مصوّرة على “يوتيوب” تدافع عن نظريات مؤامرة، أو تقدّم نصائح صحيّة زائفة عشرات الآلاف من المتابعين.

وفي مسعى لمواجهة الادّعاءات غير المتناسقة، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه على الرغم من أنه ليس طبيباً، فإنه يمكنه تأكيد أن “القناع الواقي غير المريح والمزعج مُوصى به أكثر من وضع قبّعة مصنوعة من القصدير”. لكنّ المتظاهرين انتقدوا اعتبارهم “حفنة من المجانين”.

ويرى متظاهرون أن إجراءات وضع الكمامات بشكل إلزامي والتباعد الاجتماعي “لم تعد ضرورية”. و “(كوفيد 19) مرض خطير. يجب أخذه على محمل الجد، لكن يجب مقارنة تداعيات الوباء مع التأثيرات السلبية التي قد تكون لهذه الإجراءات. لا يوجد دليل طبيّ على أن وضع القناع مفيدٌ”.

البديل ركب الموجة

وقالت متظاهرة إنها تشارك، لأنها “قلقة بشأن الحريات العامة تحت غطاء مكافحة الوباء. تتعارض القوانين الاستثنائية مع دستورنا الأساسي”.

وأضافت، “نريد أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها، وأن لا يعوق الأمر حرياتنا العامة. إذا مرض شخص ما فعليه أن يُوضع في الحجر الصحي لا أكثر”.

وفي ظل الغضب الشعبي بسبب خروج تظاهرات عن السيطرة، أكد “حزب البديل” أنه “من أجل ألمانيا يقف إلى جانب المتظاهرين”.

وقال رئيس الحزب ألكسندر غاولاند “ممارسة الناس حقوقهم الأساسية والتظاهر ضد إجراءات كورونا أمر صحيح تماماً”. وأضاف أن مسؤولية أي انقسام في المجتمع في شأن التظاهرات يجب أن لا تُحمّل إلى المحتجين، بل إلى الحملة “الواسعة لتشويه سمعة المشاركين، وتصويرهم على أنهم متطرفون يمينيون أو مجانين أو أصحاب نظريات مؤامرة”.

نظريات المؤامرة

بدوره، أفاد المتخصص الصحي ميرو ديتريتش، أنّ نظريات المؤامرة ربما تبدو مغرية للأشخاص الذين يجدون صعوبة في فهم مبدأ الفيروس، الذين لا يعرفون أي شخص أصيب به.

وقال، “إضافة إلى ذلك، الناس معزولون حاليّاً عن بيئتهم الاجتماعية وفي حالة أزمة، ويمضون وقتاً طويلاً للغاية على الإنترنت، وهي جميعها عوامل تعزز تصديق روايات المؤامرة”. “علينا التعامل مع بروز هذه الحركات بجدية بالغة، ولا يمكننا أن نأمل بتلاشيها مع انتهاء أزمة الوباء”.

ولا شكّ أن عامل الوقت مهم للغاية. وفي هذا السياق، أشار رئيس معهد “إنسا” للاستطلاعات إلى أن الدعم القوي لحكومة ميركل “ربما يتلاشى سريعاً مع تراجع الضرورات الصحية”.

تظاهرة ضد الحكومة في وارسو

كما في ألمانيا كذلك في بولندا، إذ فرّقت الشرطة تظاهرة ضد “انتهاكات الحقوق والحريات المدنية”، وتدابير المساعدة الاقتصادية التي يعتبرها البعض “غير كافية”، واستعملت الشرطة الغاز المسيل الدموع ضد مئات من المتظاهرين، قبل أن توقف عدداً منهم. وقال المتحدث باسم الشرطة إن ما جرى “تجمّع غير قانوني” في زمن انتشار الوباء.

وقال منظمو التظاهرة إنهم “مستقلون عن أي حزب سياسي”، واعتبروا أن مبادرتهم تمثل “سخطاً جماعياً، سببته ضخامة الانتهاكات للحقوق والحريات المدنية”.

وانضم إلى التظاهرة مستثمرون غاضبون من حجم المساعدة الحكومية للاقتصاد التي اعتبروها “غير كافية”. وتبنّت السلطات عند بداية الوباء في مارس سلسلة تدابير وقائية، تحدّ خصوصاً من حرية تنظيم التجمعات العامة.

تظاهرة في سويسرا

المشهد نفسه تكرر قرب مقر الحكومة السويسرية في برن، إذ احتشد متظاهرون، احتجاجاً على تدابير مكافحة فيروس كورونا المستجد في البلاد.

وأودى وباء “كوفيد 19” بأكثر من 1600 شخصا من إجمالي 8.5 مليون نسمة، ويُمنع في سويسرا أيّ تجمّع يضم أكثر من خمسة أشخاص، وإن كان عفوياً.

لكن، منذ مطلع مايو (أيار)، تزايدت الدعوات إلى التظاهر على غرار ما يحدث في دول أخرى، ونُظمت تظاهرتان سابقتان في برن.

واعتبر المحتجون أن تدابير الإغلاق “تنتهك حقوقهم الأساسية”، وأوقفت الشرطة العشرات منهم. وفي زيوريخ، حاول نحو مئة شخص التظاهر قبل أن تفرّقهم الشرطة. وتجمّع في بازل أيضاً ما يقارب المئة فرد أمام مقر البلدية، ثم تفرّقوا، بعدما دققت الشرطة في هُويات بعضهم.

وبدأت سويسرا في الـ27 من أبريل (نيسان) تخفيف تدابير الحجر، التي لم تكن صارمة على غرار قيود فرضتها دول أوروبية أخرى. وأعادت المدارس والمتاجر والمتاحف فتح أبوابها، مع استمرار تدابير التباعد الاجتماعي.

.