حيرة اللاجئين : استضافة .. أم اندماج
سامي أبانوب
بدت أزمة اللاجئين السوريين في ألمانيا، وكأنها الأزمة التي ستنهي الحياة السياسية للمستشارة الألمانية، غير أن ذلك لم يحدث، فميركل تبدو في طريقها للفوز للمرة الرابعة.
فهل استطاعت ألمانيا استيعاب الأزمة كما وعدت ميركل في العام 2015 بعد فتحها أبواب ألمانيا على مصرعيها أمام اللاجئين لتستقبل نحو مليون شخص، بينما تقدم هذا العام حوالي 149،880 شخص فقط بطلبات لجوء حتى الآن ؟
لا توجد إحصاءات موثوقة عن كيفية إيواء القادمين الجدد؛ حيث أن آخر البيانات الرسمية المتاحة تعود إلى نهاية العام 2015 وقد تبين أن 61 % من طالبي اللجوء يعيشون في مرافق الاستقبال أو المساكن المشتركة، وليس في الشقق العادية للأسرة الواحدة.
اللغة صعبة
وعلى الرغم من أن طالبي اللجوء مُلزمون بحضور دورات الاندماج، إلا أن اللغة الألمانية يصعب تعلمها، ولذلك عندما أجرى المكتب الاتحادي الألماني للهجرة دراسة استقصائية واسعة النطاق للاجئين مؤخراً في عام 2016، وجد أن حوالي 18 % فقط يجيدون اللغة، بينما اعترف 47 % بأنهم لا يجيدون اللغة على الإطلاق.
كما أن حالة سوق العمل بالنسبة لهم سيئة، فوفقاً للبيانات الرسمية في آب/ أغسطس 2017، تم تسجيل 497 ألف لاجئ كباحثين عن عمل، ولا يزال هناك حوالي 196 ألفًا منهم عاطلين حالياً، بينما بقية اللاجئين لا يحق لهم حتى العمل لأن طلباتهم لا تزال معلقة أو أنهم لا يزالون في فترة الانتظار الأولية والمخصصة لدورات الاندماج، وليس العمل.
الدعم الشعبي
ولكن في ظل هذا الجو الهادئ نسبياً، لا تزال حياة اللاجئين تمثل تناقضاً صارخاً للمجتمع الثري من حولهم، فما الذي منح ميركل هذه الثقة المتزايدة عند مناقشة التعامل مع أزمة اللاجئين؟.
في العام 2016 تمنت المستشارة الرجوع بالزمن لتصحيح الأخطاء، ولكن رسالة هذا العام هي أنها كانت لتفعل ذلك مرة أخرى.
وتقول بترا بندل، المديرة العامة لمركز دراسات المنطقة في “إرلانجن”: “هناك توافق واسع في الآراء بين النخب والجمهور الألماني على أن إدماج المهاجرين هو الطريق الصحيح للتقدم.
وأشارت إلى أنه رغم عدم التخطيط للأمر الواقع إلا أنه ضرورة أخلاقية. كما أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاقتصاد الألماني يحتاج للاجئين كعمال، وفي النهاية تستمد ميركل قوتها في الانتخابات من الاقتصاد”.
إدماج اللاجئين
وأوضحت وكالة العمل أنه بالفعل تحتاج ألمانيا إلى العمالة لشغل المهن المختلفة بدء من مهندسي البرمجيات إلى مصففي الشعر. فهناك وظائف تظل شاغرة لمدة طويلة تبلغ حوالي 150 يوماً مثل السباكين ووظائف رعاية المسنين، ولذلك هناك الكثير من الحماسة تجاه القادمين الجدد بين الشركات الألمانية.
وفي العام 2015، عقدت ميركل اجتماعاً مع كبار المسؤولين التنفيذيين للشركات الكبرى لمناقشة إدماج اللاجئين في سوق العمل. وبعد ذلك الاجتماع نمت منظمة تدعى “فير تسوزامن”، أو “نحن معاً”، تنسق مشاريع الدمج بالشركات.
وبالفعل بدأت المنظمة بـ 36 شركة في شباط/ فبراير 2016، ويبلغ عدد أعضائها الآن 202، بما في ذلك 19 شركة كبرى.
وتعد برامج التكامل في هذه الشركات أساساً نقطة البداية للدخول في نظام التعليم الفني للصناعة الألمانية الشهيرة، حيث يدرب العمال ذو الخبرة العمال الجدد أثناء دراستهم في المدراس. كما يساعد الموظفون المشاركون بالبرنامج، والذين يبلغ عددهم 18 ألف، اللاجئين في اتقان اللغة وإتمام أوراق الهجرة، وتعقيدات الحياة اليومية الألمانية التي يمكن أن تكون مربكة.
وعلى الرغم من أن 90 % من اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع الذي أجراه مكتب الهجرة يقولون إنهم يرغبون في البقاء على المدى الطويل، فإن ميركل والسياسيين الآخرين من حزبها الديمقراطي المسيحي يقولون إنه بمجرد انتهاء الحرب في سوريا، سيضطر العديد من اللاجئين إلى العودة لديارهم.
وما لم يتم إصلاح هذه المشاكل، وما لم تحصل الحكومة الألمانية على الشجاعة لإبلاغ كل المهاجرين وأرباب العمل المحتملين أنه لا توجد خطط لإعادة النظر في وضعهم بمجرد انتهاء الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، سوف تفوت ألمانيا فرصة هائلة لجذب ما يقدر بنحو 600 ألف شخص إلى القوة العاملة المتقلصة.
وكشفت دراسة حديثة لمعهد الاقتصاد الألماني، أن تدفق اللاجئين على البلاد يمكن أن يحفز بشكل ملحوظ ديناميكية الاقتصاد، غير أنه اشترط ضرورة حصول اللاجئين في أقرب الآجال على العمل.
ووفقا لحسابات معهد الاقتصاد الألماني “أي دابليو” بمدينة كولونيا الألمانية، يمكن أن يزداد إجمالي الناتج القومي حتى عام 2020 بقيمة إجمالية تبلغ نحو 90 مليار يورو تقريبا من خلال تدفق اللاجئين.
وقدر المعهد نمو إجمالي الناتج القومي هذا العام بنسبة 0.4 بالمائة تقريبا.
وجاء في الدراسة التي أجراءها المعهد، أنه من الممكن أن يزداد هذا التأثير على الناتج القومي ليصل إلى واحد بالمائة تقريبا سنويا حتى عام 2020. ولكن المعهد شدد على أهمية أن يعثر اللاجئون على عمل بأقصى سرعة ممكنة.
في سياق آخر أظهرت دراسة أجرتها “يونيسف” على وضع 350 ألف طفل ومراهق وصلوا إلى ألمانيا كطالبي لجوء منذ عام 2015، أن “فقط ثلث الأطفال في مراكز اللجوء يحصلون على التعليم”.
وأشار التقرير إلى أن “أطفال اللاجئين لا يحصلون على فرص متكافئة لتلقي العلاج من الأمراض المزمنة والنفسية، مقارنة بالأطفال الألمان”. وتضمنت الدراسة شهادة نحو 447 عاملا من مراكز اللجوء الألمانية، دون الكشف عن هوياتهم.