بين ترامب وهاريس..

السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم

عاطف عبد العظيم

نشر موقع “أسباب” للشؤون الجيوسياسية تقريراً مطولاً يسلط الضوء على الفوارق بين نهجي دونالد ترامب وكمالا هاريس في السياسة الخارجية الأمريكية.

فبالرغم من أن كلاهما يضع نصب عينيه الدفاع عن موقع واشنطن الدولي، في مواجهة القوى الراغبة في تغييره، إلا أن طرق تحقيق ذلك تختلف بشكل جذري.

إذ يتبنى ترامب نهجاً يعتمد على الصفقات الفردية وتجاهل التحالفات التقليدية، ما يجعل مواقفه أقل قابلية للتنبؤ. في المقابل، تعتمد هاريس على التحالفات والتعاون المتعدد الأطراف، مما يجعل سياستها أكثر قابلية للتنبؤ وبلا تحولات كبيرة.

على الرغم من هذا التباين، يظل التعامل مع الصين أولوية مشتركة لكلا المرشحين، مع استمرار العلاقات الأمريكية الصينية في التأرجح بين التنافس والصراع.

كما تظل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها حرب غزة والمواجهة الإيرانية الإسرائيلية، محوراً أساسياً لسياساتهم، حيث سيواصل كل من ترامب وهاريس الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل” وتعزيز العلاقات مع حلفاء واشنطن الإقليميين.

أما في الساحة الأوروبية، فمن المرجح أن تظهر الاختلافات الجوهرية بين ترامب وهاريس بوضوح أكبر. فبينما يتوقع أن يستمر ترامب في سياسة الضغط على حلف الناتو لإجبار الأوروبيين على زيادة الإنفاق الدفاعي، فإنه من غير المتوقع أن يتخلى عن التحالف. من جهة أخرى، يبدو من الصعب تخيل أن ترامب سيتوصل بسهولة إلى صفقة مع روسيا تنهي الحرب في أوكرانيا. في المقابل، من المرجح أن تتبنى هاريس سياسة أكثر تقليدية تجاه أوروبا

تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لانتخابات رئاسية في مطلع نوفمبر، في ظل تباين واضح في السياسة الخارجية بين المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي الحالي.

من المهم قبل استشراف السياسة الخارجية لكل من ترامب وهاريس، التمييز بين الخطاب السياسي لأي مرشح خلال الحملة الانتخابية وما سيكون قادراً على فعله إذا تولى السلطة. لا يعني هذا أن ملامح السياسة الخارجية ليست في الخطاب السياسي للمرشح، ولكنّ السياقات الواقعية قد تحد من قدرته على الالتزام بكافة وعوده ونهجه في بعض الأحيان عندما يتولى منصبه.

كذلك من المهم الانتباه إلى حقيقة أن لدينا بالفعل سجل فترة ولاية ترامب الأولى والتي يمكن من خلالها توقع سياسته الخارجية. وبينما لا تمتلك هاريس رصيداً يمتد لأربع سنوات لتحليله إذ إن منصب نائب الرئيس الأمريكي -بشكل عام- لا يتمتع بنفوذ كبير في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، لكن من الممكن توقع السياسة الخارجية لهاريس استنادا على خطابها السياسي بعد ترشحها للرئاسة، إلى جانب مواقفها أثناء فترة ولايتها في مجلس الشيوخ (2017-2021)، وبالتأكيد ملاحظة أنها لن تكون بعيدة تماما إلى درجة التناقض عن خط الإدارة الحالية.

ترامب وهاريس: نهجان مختلفان لتحقيق أهداف قد تكون واحدة

لا شك أن كلا المرشحين يضع نصب عينيه الدفاع عن موقع الولايات المتحدة في السياسة العالمية، والدفاع عن النظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية، في مواجهة القوى الراغبة في تحدي ذلك. ولا يوجد اختلاف جوهري في تحديد التهديدات العالمية التي يجب على الولايات المتحدة أن تتصدى لها، خاصة الصعود الصيني، والصراع مع روسيا، والسباق على التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة، ومواجهة “الحركات الإرهابية”، والأنظمة المناهضة للغرب مثل كوريا الشمالية وإيران. ولكن نهج كل من المرشحين سيختلف إزاء بعض أو كل هذه القضايا.

يؤكد ترامب بقوة على نيته إنهاء الصراعات الخارجية التي تشارك فيها الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى، ويعتمد نهجا يقوم على إبرام الصفقات بدلا من الالتزام بالقيود المؤسسية أو التحالفات، وهو ما يجعل مواقفه أقل تنبؤية، خاصة وأنه لا يعتمد بالضرورة على آراء البيروقراطية الأمريكية التقليدية. في المقابل، تؤكد هاريس على أهمية التحالفات القوية والتعاون المتعدد الأطراف، وخاصة مع الشركاء الرئيسيين في أوروبا والناتو، لتعزيز مصالح أمريكا الاستراتيجية، وهو ما يجعل من المرجح لها أن تتعهد سياسة خارجية قابلة للتنبؤ وبلا تحولات كبيرة.

يتفق كل من ترامب وهاريس على وضع الأمن الاقتصادي في مركز أجندتهما السياسية. وهذا يعني على الأرجح مواصلة خطط إعادة توطين سلاسل التوريد إلى بلدان ذات تحالفات استراتيجية مع واشنطن، وكذلك إعادة الإنتاج إلى الداخل الأمريكي، مع استمرار سياسة التعريفات الجمركية. وسوف يؤدي هذا النهج إلى ارتفاع تكاليف التصدير إلى أمريكا، واضطراب في بعض سلاسل التوريد العالمية، مما يمكن أن يلحق الضرر باقتصاديات دول أخرى، خاصة الصين.

الشرق الأوسط: التزام أمريكي ثابت تجاه إسرائيل ومواجهة إيران

سيكون الشرق الأوسط في قلب أولويات كلا المرشحين؛ على وقع حرب غزة المستمرة وتصاعد التوتر بما يهدد بمواجهة مباشرة بين إيران و”إسرائيل”. ولا شك أن كلا المرشحين سيواصل الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل”، ودعم أهداف الحرب في غزة، خاصة تقويض قدرات حماس العسكرية ومنع عودتها لحكم قطاع غزة، وفي لبنان تحقيق الأمن لسكان مستوطنات شمال “إسرائيل” وإضعاف قدرات حزب الله، وفرض تسوية جديدة تلبي اعتبارات “إسرائيل” الأمنية على الجبهة الشمالية. الفارق بين المرشحين سيكون في مستوى حرية التصرف الممنوحة لنتنياهو من أجل تحقيق تلك الأهداف، وفي نهج التعامل مع إيران.

ربما تختلف هـاريس عن بايدن في ممارسة معارضة أقوى للسلوك الإسرائيلي خاصة إزاء المدنيين الفلسطينيين في غزة. على الرغم من أن هـاريس تسير عموما على نهج بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكن يمكن أن تكون الحرب على غزة واحدة من القضايا التي يظهر فيها قدر من الاختلاف بين بايدن وهاريس؛ حيث تعد هـاريس أقل ارتباطًا عاطفيًا وأيديولوجيًا بإسرائيل مقارنة مع بايدن، كما أنها المسؤول في إدارة بايدن التي دعت مرارا وتكرار إلى وقف إطلاق النار وكذلك تجاهلت كلمة نتنياهو أمام الكونغرس.

وتشير سياسية ترامب التي اتسمت بالحزم مع إيران في ولايته الأولى إلى أنه من المرجح أن ولايته الثانية ستشهد عودة حملة الضغط والإجراءات الرادعة القوية ضد إيران. لكنّ الأخطر هو أن نهج ترامـب العدائي تجاه إيران قد يتطور في ظل الوضع الإقليمي الراهن إلى دعم هجمات إسرائيلية أكثر تطورا تستهدف برنامج طهران النووي. وهو ما يعني أن فوز ترامب قد يضع إيران أمام خيارات أكثر حدية، تقلص من قدرتها المعتادة على المناورة، ما يعني، إما تقديم تنازلات كبيرة تكفي لإرضاء ترامـب، أو المضي قدما في خيارات تصعيد مفتوحة.

الجنوب العالمي: تحركات أمريكية رمزية مقابل خطوات جادة لبكين وموسكو

وأشار”أسباب” في تقريره إلى أن الجنوب العالمي يمثل تحديا رئيسيا أمام أي إدارة أمريكية جديدة حيث تعرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لاتهامات متزايدة بشأن ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا دولية متنوعة، مثل تناقض المعايير إزاء الحربين في أوكرانيا وغزة، مما يلقي بتداعيات على النظام الدولي. فضلا عن فرض أمريكا قواعد اقتصادية لا تخدم دول الجنوب العالمي والدول الفقيرة.

بالرغم من أن هاريس تبدو أكثر ميلا إلى التعددية وتعزيز النظام الدولي، بينما ترامـب يبدو أكثر ميلا للانعزالية والقومية. ومع ذلك فإن الاختلاف ضئيل بين المرشحَين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بدعم تطلعات دول الجنوب العالمي لنظام دولي أكثر توازناً وعدالة، ومن غير المتوقع حدوث تحول محوري في سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بالجنوب العالمي، بينما ستقتصر جهود أي ممن سيفوز في الانتخابات الرئاسية على التحركات الخطابية والرمزية إلى حد كبير، والتي ستكون أكثر حضورا حال فوز هاريـس.

التنافس مع الصين

مثَّل الصعود الصيني في السنوات الأخيرة أعظم تحد سياسي واقتصادي للولايات المتحدة، مما دفع الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاتخاذ مقاربة متشابهة نحو إعادة التوازن بين الأمن القومي والاقتصاد، عبر الاستفادة من القوة الاقتصادية لتعزيز أهداف السياسة الخارجية الأمريكية وحماية الأمن القومي. ويتجلى ذلك في اتفاق ترامب وهاريس على أهمية فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية؛ لحماية القطاعات الحيوية وتحفيز التصنيع المحلي، بينما يختلف المرشحان حول القطاعات التي ينبغي استهدافها والدول التي ينبغي معاقبتها.

ينصب تركيز ترامب في المواجهة الأمريكية مع الصين على الجوانب الاقتصادية والتجارية، حيث طرح ترامب خطة مدتها أربع سنوات للتخلص التدريجي من جميع الواردات الصينية من السلع الأساسية. كما تعهد بفرض قواعد تحد بشكل صارم من الاستثمار الأمريكي في الصين والاستثمارات الصينية في أمريكا لتقتصر على تلك التي تخدم المصالح الأمريكية فقط. بينما تولي هاريس الأولوية للتركيز على المنافسة التكنولوجية مع الصين، مثل ضوابط تصدير أشباه الموصلات المتقدمة لتقييد وصولها إلى الصين، وتحفيز النمو المحلي للصناعات الاستراتيجية المرتبطة بالمعادن الحرجة والطاقة المتجددة.

الخلاصة:

ـ يضع كل من ترامب وهاريس نصب عينيه الدفاع عن موقع واشنطن الدولي، والدفاع عن نظام الهيمنة الغربية، في مواجهة القوى الراغبة في تغييره. لكنّ نهج كل منهما سيختلف إزاء طريقة تحقيق ذلك؛ حيث يعتمد ترامب نهج إبرام الصفقات بدلا من الالتزام بالقيود المؤسسية والتحالفات، وهو ما يجعل مواقفه أقل تنبؤية. بينما تؤكد هاريس على أهمية التحالفات والتعاون المتعدد الأطراف، وهو ما سيجعل سياستها الخارجية قابلة للتنبؤ وبلا تحولات كبيرة.

ـ بغض النظر عن الفائز في سباق الرئاسة، فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستواصل إعطاء الأولوية للتعامل بحزم مع الصين، وستظل العلاقات الأمريكية الصينية تتأرجح بين التنافس والصراع. ويتفق المرشحان على أهمية فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، بينما يختلف المرشحان حول قيمتها، والقطاعات التي ينبغي استهدافها.

ـ تزيد التوقعات أن الساحة الأساسية التي سيظهر فيها اختلافات جوهرية بين ترامب وهاريس هي أوروبا وليس أي مكان آخر في العالم. وبينما من غير المتوقع أن يتخلى ترامب عن التمسك بحلف “الناتو”، فإنه سيواصل “سياسة حافة الهاوية” لإجبار الأوروبيين على إنفاق المزيد على ميزانياتهم الدفاعية. ورغم وعوده الانتخابية، فمن الصعب تخيل أن طريق ترامب ممهد لعقد صفقة مع بوتين تنهي الحرب في أوكرانيا.

ـ ستكون منطقة الشرق في قلب أولويات كلا المرشحين؛ على وقع حرب غزة وتهديدات المواجهة المباشرة بين إيران و”إسرائيل”. وسيواصلان الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل”، ودعم أهداف حربها في غزة ولبنان، وسيكون الفارق بين المرشحين في مستوى حرية التصرف الممنوحة لنتنياهو. وسيواصلان تعزيز العلاقات مع شركاء واشنطن في المنطقة، خاصة دول الخليج، ومصر، والأردن، والمغرب. وسيولي ترامب أهمية لمواصلة “اتفاقيات أبراهام”، وستكون فرص توصل السعودية معه لاتفاق أمني أكثر احتمالا.

ـ من المرجح أن ولاية ترامب الثانية ستشهد عودة حملة الضغط والإجراءات الرادعة القوية ضد إيران. لكنّ الأخطر هو أن نهجه العدائي قد يتطور في ظل الوضع الإقليمي الراهن إلى دعم هجمات إسرائيلية تستهدف برنامج طهران النووي. وهو ما يعني أن فوز ترامب سيضع إيران أمام خيارات أكثر حدية: تقديم تنازلات كبيرة تكفي لإرضاء ترامب، أو المضي قدما في خيارات تصعيد مفتوحة.

ـ من المبكر الجزم بسياسة هاريس نحو إيران في ظل التصعيد الإقليمي المستمر الذي يُبقي على هامش كبير من اللايقين، لكن يمكن توقع تمسكها بنهج حذر تجاه إيران، يواصل الدمج بين خيارات العقوبات والضغط العسكري والتفاوض، وليس الحرب.