الفنانون المسلمون وصور الصحابة والأنبياء
no images were found
عبد المجيد عبد العزيز
يشعر الغالبية العظمى من المسلمين حول العالم، بحساسية بالغة تجاه رسم وتصوير الشخصيات الدينية المقدسة مثل الأنبياء والصحابة والملائكة، خاصة إذا تناولت هذه الرسومات شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وبالرغم من ذلك، يحفل تاريخ الفن الإسلامي بالكثير من النماذج للوحات ورسومات ترمز للرسول والصحابة والأنبياء والملائكة، أنتجها الفنانون المسلمون في عصور سابقة على مدى عدة قرون.
ونستعرض في هذا التقرير، تاريخ ونشأة ما أطلق عليه البعض اسم “التصوير الإسلامي الديني”، وكيف تخيل الفنان المسلم شكل الأنبياء والصحابة والأحداث الدينية التاريخية والروحية مثل الغزوات ورحلة الإسراء والمعراج، ونعرض لمجموعة من هذه الأعمال التي لازالت تدرس في مختلف جامعات الفنون والآثار بالعالم الإسلامي حتى الآن.
التصوير لخدمة الدين
يقول الراحل الدكتور ثروت عكاشة، في كتابه الضخم “موسوعة التصوير الإسلامي”، إن التصوير الإسلامي الديني ظهر في القرن الثالث عشر الميلادي، وبدأ يزدهر في القرن الرابع عشر، خاصة في الأراضي الخاضعة للمغول والدولة العثمانية وفي بلاد فارس، وكان يهدف إلى خدمة الإسلام وتوضيح النصوص الدينية وتسهيل فهمها، وكانت لهذا الفن ضوابط وتقاليد، بالرغم من اعتراض البعض الذين قالوا بحرمانية التصوير.
ومع الوقت بدأ هذا الفن ينتشر، ويدخل إلى الكتب الدينية بألوان من الزخرفة، كما بدأ “التصوير الإسلامي” يتوسع ويتناول أحداث من حياة الرسول، وباتت كثير من المخطوطات التي تتناول قصص الأنبياء والرسل والصالحين تنتشر فيها تلك الصور التي تمثل جوانب من حياتهم، غير أن القرآن الكريم – بحسب د. عكاشة – ظل على مر العصور لا يمسه التصوير من قريب أو بعيد، وإن كانت طبعاته المختلفة قد حفلت بزخارف عدة.
ويؤكد الرجل الذي تولى حقيبة وزارة الثقافة المصرية في حقبة الستينات من القرن الماضي، أن التصوير الديني في الإسلام لم يقف عند تصوير القصص الديني المتصل بشخصيات مقدسة مثل الأنبياء وغيرهم، بل بدأ يتناول مواضيع دينية بحتة بهدف توصيل رسالة الإسلام، مثل نشر المواعظ والعبر والتخويف من النار والترغيب في الجنة وتشجيع النفوس على طاعة الله، وغيرها.
مجمع البحوث الإسلامية
ويبدو أن ثروت عكاشة واجه مشكلة في توزيع كتابه (موسوعة التصوير الإسلامي) بمصر خاصة وأنه يحفل بمئات الرسومات الدينية، لذا كان عليه الرجوع إلى مجمع البحوث الإسلامية للحصول على موافقة بنشر الكتاب.
ويكشف د.عكاشة في هذا الصدد، أنه امتنع عن نشر 26 لوحة تحديدا، بعدما حرم مجمع البحوث الإسلامية اقتناء هذه الرسومات الـ 26 أو نشرها وتداولها سواء كانت منفردة أو في ثنايا الكتب أم محفوظة في المتاحف أو غيرها، وهي لوحات ترمز إلى النبي والإمام علي والسيدة خديجة وبعض الصحابة، وبالرغم من ذلك نشر عكاشة في الكتاب صورا أخرى ترمز للنبي ما يرجح أنها لوحات لم يعترض عليها مجمع البحوث الإسلامية، وهي التي نورد بعضا منها في هذا التقرير.
ومن بين الأشياء اللافتة التي ذكرها وزير الثقافة الأسبق، أن بعض دور النشر المصرية سبق لها أن نشرت كتبا عدة تضم صورا ترمز للرسول تظهر فيها ملامح الوجه بشكل واضح، ومن بين هذه الكتب، أطلس الفنون الزخرفية والتصاوير الإسلامية للدكتور زكي محمد حسن والذي قامت بطباعته مطابع جامعة القاهرة عام 1956، ويضم هذا الأطلس عددا من صور الرسول في ملامح جلية، كما أصدرت وزارة الثقافة المصرية عام 1959 كتاب “صور من مدرسة بهزاد” ويضم صورتين للنبي يوسف عليه السلام، وأخرى للنبي سليمان عليه السلام، ورابعة لمعراج الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهو يمتطي البراق ليصعد به إلى السماء يتقدمه جبريل.
رسومات ترمز للرسول
وعن الرسومات التي تناولت شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول عكاشة إن الفنانيين الإسلاميين كانوا يتجنبون رسم صور ترمز للنبي في بداية ظهور التصوير الديني، أولا لاعتقادهم بحرمانية ذلك، ثانيا توقيرا وإجلالا للنبي، إلا أنه مع الوقت بدأت تظهر نماذج تناولت السيرة النبوية وكانت تظهر بها رسومات ترمز للنبي، حيث كانت توضع هالة نورانية في بداية الأمر حول رأسه، ثم بدأوا في وضع لثام على وجهه تمييزا له عمن حوله، ولاحقا بدأوا يظهرون الملامح بوضوح.
ويرى عكاشة أن رسم الفنانيين الإسلاميين للوحات ترمز إلى النبي، وبالتحديد تلك التي كانت تظهر ملامح الوجه، لم يكن يقصد منها التجريح أو التهوين، بل كان تبجيلا وتعبيرا عن ورع وإيمان الفنان نفسه وحبه للنبي والرغبة في نشر صفاته وخصائله.
ويشير إلى أن أقدم لوحة رسمت وكانت ترمز للنبي، موجودة في نسخة من كتاب “الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني محفوظة بدار الكتب المصرية، ويقال إنها تصور لقاء النبي بوفد نجران، إلا أن هذه الصورة مختلف حول حقيقة موضوعها.
أما أقدم رسومات ترمز للنبي بشكل واضح، فهي الموجودة في مخطوطة كتاب “الآثار الباقية” للبيروني والذي يرجع تاريخه إلى عام 1307، بالإضافة إلى الرسومات الموجودة في نسخة كتاب “جامع التواريخ” للشاعر والمؤرخ الفارسي خوند مير.
ويضم كتاب “جامع التواريخ” 8 لوحات ترمز للنبي وأمه السيدة آمنة وجده عبدالمطلب وزوجاته وصحابته، حيث تظهره فارع القامة نحيل وقور القسمات، بالإضافة إلى رسومات أخرى ترمز للأنبياء والصحابة والملائكة.
كما يوجد بمخطوطة كتاب “روضة الصفا” لميرخوند، صورة ترمز إلى حليمة مرضعة الرسول وقد حملته من مكة معها إلى مقامها بالأبواء لترضعه وهي تبدو في الصورة على حمارها والرسول في حجرها وحول رأسه هالة.
وهناك العديد من الرسومات الأخرى في عدد من المخطوطات، التي ترمز للنبي في غار حراء يتعبد، أو وهو يدعو قريش إلى الإسلام، ورسومات تسجل هجرته إلى المدينة مع أبو بكر الصديق ورسومات تسجل رحلة الإسراء والمعراج بتفاصيلها، وغيرها من اللوحات التي ترمز لمواقف بين النبي والصحابة.
قصص الأنبياء
أما باقي الأنبياء، فإن المحاذير التي كان يضعها الفنانون الإسلاميون في تلك العصور حول رسوماتهم تعد أقل قياسا على تلك التي كانوا يراعونها في رسوم الصور التي ترمز للرسول صلى الله عليه وسلم، لذا نجد وفرة من الرسومات التي تتناول قصص الأنبياء بكثير من التفصيل أنتجها الفنانون عبر عدة عقود.
فهناك منمنمة لسفينة نوح بمخطوطة “تاريخ خواندمير” بباريس وترمز إلى نبي الله نوح وتحيط برأسه هالة نورانية وهو واقفا على رأس سفينته وحوله بعض ممكن ركب معه.
كما تعددت الصور التي ترمز إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، فنراه في إحداها يحطم أصنام عشيرته ثم وهو يعاقب على هذا المروق بأن يوضع في النار، وتمثل إحدى المنمنمات من مخطوطة “تاريخ خواندمير” قوم إبراهيم وهم يعدون النار ليلقوه فيها بعد أن هشم أصنامهم، وفي لوحة أخرى ترمز له وهو يقوم ببناء الكعبة وعلى يسار اللوحة يظهر رسم يرمز إلى إسماعيل وعلى رأسه شيء يشبه القبعة.
أما سليمان عليه السلام، فقد أطلق المصورون خيالهم ما شاءوا لتخيل أحداث قصته، ومنها الصورة الموجودة بمخطوطة “قصص الأنبياء” وترمز لسليمان جالسا على عرشه وعلى رأسه هالة من نور ذات ألسنة وبين يديه الجن والشياطين والملائكة وأنواع الحيوان، وفي صورة أخرى بمخطوطة “كليات حافظ” ترمز إلى موقف سليمان مع الهدهد وقيام الجن بنقل عرش بلقيس.
وهناك منمنمة بحجم كبير بمتحف برلين تصور معجزة ناقة النبي صالح ونرى فيها رسم يرمز للنبي صالح عليه السلام متميزا بتلك الهالة النورانية التي تحيط برأسه وبين يديه صورة للناقة.
وفي كتاب “يوسف وزليخا” للفردوسي وكتاب “يوسف وزليخا” للجامي -توجد منه نسخة بدار الكتب المصرية- توجد العديد من الصور التي تجسد قصة نبي الله يوسف عليه السلام ومن أهم تلك الصور، الرسومات التي ترمز لواقعة بيع يوسف في مصر ومحاولة غواية زليخا له وانتشال يوسف من البئر.
ورسومات عدة ترمز لنبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت، بالإضافة إلى تصوير قصة أهل الكف، والتي ظهر مجموعة من الرجال وقد تمددوا داخل مغارة وهم في ثبات عميق.
كما خصص الفنانون المسلمون رسومات عدة ترمز للنبي عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم العذراء، ومراحل حياته المختلفة والمعجزات التي وقعت على يديه، ومن بين تلك اللوحات لوحة تسجل واقعة العشاء الأخير، والتي يعتقد أنها رسمت في وقت يتزامن مع الوقت الذي رسم فيه الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي لوحته الشهيرة العشاء الأخير.
وحتى قرابة منتصف القرن الماضي، كانت تنتشر بعض نماذج من هذه الرسوم، خاصة التي ترمز إلى نبي الله يوسف عليه السلام، في الموالد الشعبية بمصر، والتي كان يتداولها العامة من باب التبرك والعظة، وقد أشار الكاتب عبدالقادر المازني في أحد كتاباته إلى هذه الرسومات، حيث انتقد تخيل ملامح يوسف بملامح أنثوية للتعبير عن مدى جماله.
ومن أكثر النقاط اللافتة، ما ذكره د. عكاشة في ختام استعراضه للنقاشات حول جواز نشر رسومات ترمز الرسول من عدمه، متسائلا: “لو أن الجزيرة العربية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت على درجة من الحضارة التي نحن عليها الآن وشاع في ظل تلك الحضارة ما يشيع الآن من آلات للتصوير … ألم نكن لنملك الآن صور ذلك العهد كله بجميع ما فيه؟
لا شك في أن صور الرسول وصوته كانت ستكون أذخر ما نملكه من ذلك التراث الجليل، وما كان يملك أحد أن يمنع ما سجلته يد الحضارة”.