الاتحاد الأوروبي .. عين على “بوتين” والأخرى على “ترامب”
د. أمير حمد
أصبح دونالد ترامب، المرشح الرسمي للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، فكيف يستعد الاتحاد الأوروبي للعودة المحتملة لترامب؟ وكيف يستعد لمواجهة ما يوصف بأنه “طموحات” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
نتناول بالرصد والتحليل أول استراتيجية للصناعات الدفاعية يتبناها الاتحاد الأوروبي، وكيف أن تلك الاستراتيجية تأخذ في الحسبان ترامب وبوتين.
ماذا قرر الاتحاد الأوروبي؟
أعلنت المفوضية الأوروبية، يوم الثلاثاء 5 مارس/ ، عن أول استراتيجية أوروبية على الإطلاق للصناعات الدفاعية (EDIS)، والتي تستهدف توفير 50% من المعدات العسكرية التي تطلبها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من الصناعة الأوروبية، وكذلك شراء ما لا يقل عن 40% من المعدات العسكرية بشكل مشترك بحلول 2030.
وحددت المفوضية ميزانية أولية للاستراتيجية قدرها 1.5 مليار يورو في الفترة من 2025 إلى 2027، بهدف منح الدول حوافز للشراء بشكل مشترك من الشركات الأوروبية وتشجيع الصناعات الدفاعية على زيادة القدرات وتطوير تقنيات جديدة. ويجب أن تتم الموافقة على استراتيجية الصناعات الدفاعية من قبل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى يتم إقرارها رسمياً.
الاتحاد الأوروبي يبحث عن الاستقلال العسكري
يأتي الإعلان الأوروبي عن استراتيجية الصناعات الدفاعية بينما تواجه القارة تحديات جيوسياسية متزايدة، بما في ذلك تحول المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب استنزاف، والشكوك المحيطة بالانتخابات الأمريكية، واحتمال عودة ترامب للبيت الأبيض.
ان الرئيس الأمريكي السابق قد حسم ترشيح حزبه الجمهوري للرئاسيات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعد أيام قليلة من تصريحات له أثارت صدمة كبرى في العواصم الأوروبية. فخلال تجمع انتخابي في ساوث كارولاينا، قال ترامب إن رئيس “دولة كبيرة”، لم يذكر اسمها، سأله: “حسناً يا سيدي، إذا لم ندفع، وتعرّضنا لهجوم من روسيا، هل ستحمينا؟”. وتابع ترامب: “قلت: إذا لم تدفع؟ وأنت متأخر في السداد؟ قال: نعم، لنفترض أن ذلك قد حدث. قلت: لا، لن أحميك. في الواقع، سأشجعهم على فعل ما يريدون. عليك أن تدفع”.
لذلك؛ تسعى أوروبا إلى اتباع نهج أكثر تكاملاً بين الدول الأعضاء بما يمكنها من تعزيز قدرة الصناعات الدفاعية على الإنتاج الجماعي بشكل أسرع وأفضل، وتقليل اعتماد الاتحاد على الأسلحة الأمريكية، ومن ثم، تحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية على المدى البعيد.
تحديات تواجه أوروبا عسكرياً
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية تشكل خطوة لتعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية بعد عقود من الإهمال، إلا أن ثمة تحديات تواجه الاستراتيجية بما في ذلك اختلاف السياسات الدفاعية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وصعوبة التنسيق الجماعي لاسيما في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا موجة جارفة للتيارات اليمينية التي تفضل الاستقلال الذاتي والسيادة لكل دولة على حدة عن الانخراط في تكتلات وكيانات إقليمية. كما أن الدعم المالي المخصص للاستراتيجية يعد ضئيلاً، ولا يكفي للإنفاق الدفاعي في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.
كشفت حرب أوكرانيا عن عجز القدرة الإنتاجية لقطاع الدفاع الأوروبي على تلبية احتياجات الكتلة المتزايدة لدعم أوكرانيا، إذ إن 78% من المشتريات العسكرية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى يونيو/حزيران 2023 جاءت من خارج أوروبا.
أمريكا المورد الأكبر للسلاح
وتمثل الولايات المتحدة وحدها 63% من إجمالي المشتريات الأوروبية. وترتكز الفكرة الرئيسية لاستراتيجية الصناعات الدفاعية على جعل الشراء المشترك للأسلحة هو القاعدة في المستقبل؛ بهدف الحد من تسليح الجيوش الأوروبية بشكل مستقل، والذي يتسبب في عدم توافق أسلحة كثير من دول الاتحاد الأوروبي مع أسلحة الدول الأخرى في الكتلة، فضلاً عن افتقاد الاتحاد لمميزات تشكيل قوة شرائية جماعية، ما يؤدي إلى استخدام غير فعال لأموال هائلة.
أنفق الاتحاد الأوروبي عام 2022 متوسطاً يقدر بـ1.5% من ناتجه المحلي الإجمالي على الدفاع، أي ما يعادل 240 مليار يورو، لكنّ الاختلافات كبيرة بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي؛ حيث تراوحت هذه النسبة من حد أقصى يبلغ 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في اليونان إلى حد أدنى يبلغ 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي في أيرلندا. كما تتمتع أغلب بلدان شرق الاتحاد الأوروبي بميزانيات دفاعية ضخمة مقارنة بباقي أعضاء الكتلة.
تأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا
في حين زادت ميزانيات الدفاع لأعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها ظلت غير كافية لمواجهة التهديد الروسي المتزايد. ومن غير المتوقع أن تعالج الاستراتيجية الجديدة متطلبات دعم أوكرانيا عسكرياً على المدى القصير. إذ يعاني الجيش الأوكراني -بعد أن فشل الهجوم المضاد الذي شنه في منتصف العام الماضي- من عدم التوازن في ساحة المعركة نتيجة نقص الأسلحة والذخيرة، وتشير التقديرات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن روسيا كانت تمتلك ما بين أربعة إلى خمسة أضعاف ما تمتلكه أوكرانيا من ذخيرة المدفعية، مقارنة بالتوازن الذي كان موجوداً بين الجانبين قبل بضعة أشهر فقط.
عودة ترامب للبيت الأبيض؟
من المؤكد أن احتمال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يثير المخاوف الأوروبية بشأن التزام واشنطن بالمساعدات العسكرية والدفاعية لأوروبا. ولا يستند هذا القلق فقط إلى مواقف ترامب السابقة، ولكنّ إحجام المشرعين الجمهوريين الموالين لترامب في الكونغرس عن إعطاء الضوء الأخضر لحزمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا (60 مليار دولار)، بالإضافة إلى تصريحات ترامب الأخيرة التي قال فيها إن واشنطن لن تدافع عن حليف في حلف الناتو لا يلتزم بنسبة الإنفاق الدفاعي للحلف (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، تساهم أيضاً بشكل كبير في تراجع ثقة الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الولايات المتحدة في المستقبل.
يدرك قادة الاتحاد الأوروبي الآن أن عليهم التركيز بشكل أكثر تضافراً على تحقيق الاستقلال الاستراتيجي فيما يخص الصناعات الدفاعية، وكذلك عليهم أن يتحملوا بأنفسهم العبء الأكبر في مجال الأمن الأوروبي في المستقبل المنظور؛ فبغض النظر عن سيناريو ترامب الأسوأ بالنسبة للأوروبيين؛ فإن واشنطن توجه أولوياتها الاستراتيجية نحو المنافسة مع الصين باعتبارها مصدر القلق الرئيسي، ما يعني أن استمرار اعتماد الأوروبيين على الدعم الأمريكي سيكون له آثار سلبية على الأمن الأوروبي. كما أن قدرة واشنطن على مواصلة مساعدة كييف أصبحت موضع شك بشكل متزايد، وحتى في أفضل الأحوال مع فوز بايدن فلن يكون ذلك ضامناً لاستمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، إذ إن تركيبة الكونغرس هي التي ستحدد ما ستتم الموافقة عليه بشأن دعم كييف.
“إذا أردنا السلام، علينا الاستعداد للحرب”
وإلى جانب العمل على دعم كييف، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد السبل لتعزيز صناعاته العسكرية والدفاعية، من أجل توفير مساعدات إضافية لأوكرانيا وتعزيز دفاعاته الخاصة.
وقد طرحت بروكسل سلسلة من الاقتراحات في هذا الاتجاه، لكن المعنيين يشكون من أن الاتحاد الأوروبي لا يمضي قدما في هذا المجال بالسرعة المطلوبة.
ويذكر أن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بتعهده العام الماضي بتوفير مليون قذيفة مدفعية لأوكرانيا بحلول آذار/مارس الحالي. وفي المقابل، تقوم الجمهورية التشيكية بمسعى لجمع مئات الآلاف من القذائف من حول العالم لتقديمها إلى كييف.
ومن جانبه، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال “في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العالم، علينا أن نكون مستعدين للدفاع بشكل يطابق التهديد الملحّ”. وأضاف “إذا أردنا السلام، علينا الاستعداد للحرب”.
واقترحت فرنسا وإستونيا وبولندا اللجوء إلى الاقتراض المشترك لتمويل الإنفاق الدفاعي، بشكل مماثل لحزمة المساعدات الضخمة التي أقرها الاتحاد الأوروبي خلال جائحة كوفيد. غير أن معظم الدول الأعضاء، وفي مقدمتهم ألمانيا، لا تحبّذ هذا الطرح.
دعوات للتفاوض مع روسيا
هذا وقد دعا زعيم التجمع السياسي الرئيسي للأحزاب اليسارية في الاتحاد الأوروبي “للتفاوض” لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، مؤيدا الدعوة المثيرة للجدل التي وجهها البابا فرنسيس لكييف لرفع “الراية البيضاء”.
ولفت باير إلى أن جبهات النزاع “المجمدة” تتطلب مقاربة جديدة. وقال “أتمنى من الاتحاد الأوروبي أن يبذل جهودا دبلوماسية لبدء مفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وانسحاب القوات الروسية”. وقال “أعتقد أن مساعدة الشعب الأوكراني تعني الآن بذل محاولات لإنهاء الحرب”.
وأضاف الرئيس السابق للحزب الشيوعي النمساوي “في هذا الصدد، أؤيد تماما ما يقوله البابا فرنسيس. الآن حان الوقت لإنهاء الحرب، والآن حان الوقت للتفاوض ووقف القتل”.
ولا يرى المحللون أي احتمال حاليا لإجراء مفاوضات تحقق انفراجة في الحرب الأوكرانية، مع تزايد عزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب تآكل الدعم الغربي لكييف، وتصميم أوكرانيا على مواصلة القتال لاستعادة أراضيها.
ماكرون وطبول الحرب
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محذرا من أنه إذا انتصرت روسيا في الحرب بأوكرانيا فإن ذلك “سيقضي على مصداقية أوروبا”.
وصرح “إذا انتصرت روسيا (…) فلن يكون لدينا أمن بعد الآن” و”سيقضي ذلك على مصداقية أوروبا”، مضيفا أنه في مواجهة “تصعيد” موسكو “يجب أن نقول إننا مستعدون للرد”.
وتأتي هذه التصريحات على خلفية الجدل الذي أثاره ماكرون نهاية شباط/فبراير الماضي عندما قال في ختام مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا ضم أكثر من عشرين من القادة الأوروبيين، إنه من غير المستبعد إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا لإلحاق الهزيمة بروسيا.
وأضاف وقتها ماكرون: “نحن مقتنعون بأن هزيمة روسيا ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا”، مشددا على أن موسكو تبدي “موقفا أكثر عدوانية ليس فقط في أوكرانيا بل بشكل عام”.
وعلى الساحة السياسية الفرنسية، أثار اقتراح إرسال قوات إلى أوكرانيا موجة تنديد في صفوف المعارضة على اختلاف أحزابها، من اليسار المتطرف إلى أقصى اليمين، مرورا بالاشتراكيين واليمين.
.