سوريا .. ولعبة الأمم

عاطف عبد العظيم

تطورات متلاحقة تشهدها سوريا خاصة بعد القصف الذي استهدف قلب دمشق، والذى يكشف عن لحظة انكشاف عميقة في زمنٍ تتغيّر فيه خرائط النفوذ وتُختبر فيه التوازنات الإقليمية، وبالتالى لا يمكن فهم ما يجري في سوريا اليوم من دون العودة إلى جغرافيا سوريا، وكيف كونت الرقعة التاريخية والجغرافية وحدة اقتصادية واجتماعية طوال قرون، تربط الداخل بالبادية، فضلا عن أن دمشق لا تزال العقدة التي لا يمكن تجاوزها، فهى بوابة المتوسط نحو العمق العربي، ونقطة العبور بين آسيا السياسية والمتوسط الاستراتيجي.

لذلك، فإن التحوّلات التي تشهدها سوريا كشفت عن خطوط تماس بين مشروعات لإعادة تشكيل الإقليم، كلاهم يضع سوريا في قلب المعادلة، وإن اختلفت الأدوات والخطاب، وبالتالي يجب الانتباه إلى هذه المشروعات خاصة المشروع الصهيوني، لأن إسرائيل تُقدَّم نفسها كشريك استراتيجي دائم، داخل بنية جديدة للإقليم، خاصة أن شرق سوريا، من درعا إلى السويداء والقنيطرة، مرورًا بالبادية حتى شرق الفرات، أصبح في نظر إسرائيل عمقًا حرجًا، لا بدّ من تفريغه من أي نفوذ أو وكلاء موالين لها.

بل الأخطر أن الجغرافيا السورية بالنسبة لتل أبيب لم تعد مجرّد مساحة متنازع عليها، بل شرط وجودي لضمان التوازن الجديد، ومن هنا، فإن أي اقتراب تركي، يعني تهديدًا مباشرًا لمنظومة التوازن التي تتصور شرق سوريا خارج نطاقه، ما يعنى أن تطوّر الأحداث في سوريا نحو مواجهة مفتوحة قد يُخرج الأطراف الإقليمية من الظلال إلى الضوء، فبدل التنافس الصامت على سوريا، سيُعلن كل طرف عن هدفه الحقيقى، وهذا يعنى تفجير الجغرافيا السورية من جديد، وانزلاق المنطقة كلها إلى صراعات تتجاوز حدودها، والأخطر أن جنوب سوريا قد يتحول إلى جنوب لبنان جديد، وشرقها إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى.

وأخيرا، نستطيع القول، إن مستقبل سوريا بعد قصف تل أبيب ليس كما قبله، خاصة أن الضربة الإسرائيلية التي هزّت قلب دمشق لم تكن ردًا ولا تحذيرًا، بل إعلان نهاية مرحلة الأهداف الخفية، وبداية لعبة مكشوفة تُرسم فيها الخطوط بالنار، ليكون الرهان، الحقيقى،هل يمكن أن يتخلص السوريون من هواجسهم الطائفية؟ أم السماح بدخول سوريا مرحلة تحكمها المصالح، وتُدار فيها الجغرافيا كغنيمة، والطوائف كادوات تشعل الصراع؟.. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة..

سوريا بلد متعدد الطوائف والمذاهب، أبرزها: السنة، العلويون، الدروز، المسيحيون، والإسماعيليون.

منذ حكم حافظ الأسد، ثم بشار، هيمنت الطائفة العلوية على مفاصل الدولة، خصوصاً الجيش والمخابرات، ما خلق توترات مكتومة بين الطوائف.

بعد الثورة عام 2011، تصاعدت هذه التوترات، وتحولت إلى صراعات طائفية مسلحة، خاصة في مناطق الساحل والجنوب.

العلويون والدروز: من الحماية إلى الاستهداف

العلويون: تعرضوا لهجمات دموية في الساحل السوري، خاصة في مارس 2025، حيث قُتل أكثر من 1400 مدني علوي.

اتُهمت قوات الأمن ومجموعات جهادية أجنبية بارتكاب مجازر، ما أثار مخاوف من تكرار سيناريو الإبادة.

الدروز: في السويداء، اندلعت اشتباكات بين الدروز والبدو، ثم تدخلت القوات الحكومية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1200 شخص خلال أسبوع.

إسرائيل تدخلت عسكرياً، معلنة أنها لن تسمح بإيذاء الدروز، واعتبرت نفسها “حامية لهم”.

الطائفة الدرزية باتت محاصرة بين القوات الحكومية ومسلحي العشائر، وسط انقسام داخلي بين من يطالب بالحوار ومن يرفض نزع السلاح.

دخول الأجانب إلى القوات الأمنية: بين البراغماتية والمخاطرة

بعد سقوط نظام الأسد، طرحت الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع خطة لدمج آلاف المقاتلين الأجانب، خاصة من الإيغور والشيشان، في الجيش السوري.

تم تشكيل “الفرقة 84” التي تضم نحو 3500 مقاتل أجنبي، بعضهم من الحزب الإسلامي التركستاني، الذي كان يُصنف كجماعة إرهابية.

الولايات المتحدة وافقت على الخطة بشرط الشفافية، معتبرة أن دمجهم أفضل من تركهم عرضة للتطرف7.

الصين أعربت عن قلقها من نفوذ الإيغور في سوريا، وطالبت دمشق بموقف واضح ضد الإرهاب.

التأثير على مستقبل سوريا

1. الهوية الوطنية:

دخول الأجانب إلى الجيش يثير تساؤلات حول الولاء والانتماء، خاصة أن بعضهم قاتل سابقاً في صفوف تنظيمات متطرفة.

منح الجنسية السورية لبعضهم قد يُحدث شرخاً في مفهوم المواطنة، ويثير غضب مكونات محلية.

2. الاستقرار الأمني:

رغم أن بعض الأجانب أظهروا انضباطاً، إلا أن هناك مخاوف من تحولهم إلى أدوات بيد أطراف خارجية أو عودة بعضهم إلى الفكر الجهادي. تنظيم داعش دعاهم للانشقاق والانضمام إليه، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني.

3. العلاقات الدولية:

إسرائيل تراقب الوضع عن كثب، وتستخدم ملف الدروز كورقة ضغط.

الصين والغرب يتابعون ملف المقاتلين الأجانب، ويخشون من تحول سوريا إلى منصة لتصدير التطرف.

سوريا بين التعدد والانقسام

يمكن النظر إلى سوريا اليوم كـ”فسيفساء مهددة بالتشقق”:

كل طائفة تمثل لوناً، وكل لون يحمل ذاكرة من الألم والخوف.

دخول الأجانب هو كأن تُضاف قطع غريبة إلى اللوحة، قد تثريها أو تفسد توازنها.

مستقبل سوريا يتوقف على قدرتها على إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، لا يقوم على الهيمنة، بل على الاعتراف المتبادل والعدالة.

كل السوريين اليوم في لعبة الأمم مجرد أدوات ووقود لمشاريع الآخرين، لهذا يجب أن يكون الجميعً حذرا في كل خطوة.