معرض فرانكفورت للكتاب 2025

حضورٌ لافتٌ للثقافة العربية

موسى الزعيم

استقبلت مدينة فرانكفورت الألمانية حدثها السنوي، معرض فرانكفورت الدولي للكتاب العالمي في دورته السابعة والسبعين والذي يستقطب عادة متخصصين من كتّاب وباحثين وناشرين من أكثر من 140 دولة حول العالم، حيث افتتحت فعالياته وسط حضور ثقافي وأدبي عالمي واسع، لتؤكّد مدينة فرانكفورت مجدداً على أنّها أكبر منصّة عالمية لتجارة الكتب وتبادل الأفكار الأدبية وتوقيع عقود شراء حقوق النشر والترجمة وغيرها.

يفتتح المعرض في كلّ عام كمنصّة عالمية للتبادل الفكري والثقافي والتجاري، ومن خلاله تتوسع آفاق الثقافة العالمية وهو فرصة أيضا لتقول الثقافة العربية كلمتها على الساحة العالمية، في حدث بات له خصوصيته الدولية والفكرية من خلال ما يصدر عنه من مواقف وتصاريح لكتاب عالميين أيضاً، تمتزج بين الساسي والفكري..

كانت الأيام الأولى من المعرض مفتوحة للمهنيين (ناشرون، موزعون، وكلاء حقوق) بينما تجاوز المعرض هذا العام الحاجز المهني ليُفسح المجال للجمهور، في إشارة لوضع القارئ في صلب التجربة.

عدد العارضين ارتفع هذا العام إلى 4 350 مقارنة بـ 4 300 العام الماضي، من جهة أخرى سُجّل غياب الكاتب الهنغاري لا سلو كراسناهوركاي، الفائز حديثاً بـ “جائزة نوبل للآداب” لهذا العام عن فعاليات المعرض، إذ كان من المقرر أن يُلقي الكلمة الأدبية الافتتاحية.

من جهة أخرى هناك الكثير من التحولات التي تشير إلى سعي المعرض دائما لأن يكون أكثر جاذبية للشريحة الأوسع من الزائرين وليس فقط العاملين قطاع النشر التقليدي، هذا يعكس توجهاً أقوى نحو ربط “معرض الكتاب” ليس فقط بالنشر والتجارة، بل بالنقاش الثقافي والسياسي الدائر على مستوى العالم، وقد تجلى ذلك في أكثر من مرّة من خلال الموقف من القضية الفلسطينية أو الحرب على الإرهاب وغير ذلك من القضايا العالمية الساخنة.

من جهة أخرى ما يلاحظ هذا العام أنّه لأوّل مرة يُفتح المعرض لعامّة الجمهور منذ أول يوم، حيث بدأت مبيعات الكتب منذ اليوم الأول.

كما تم تخصيص مساحة واسعة تقدر بـ 5600 متر مربع لمنطقة لقاء المؤلف، حيث يوقّع 84 مؤلفًا كتبهم على مدى 91 ساعة، مع لقاءات وتوقيعات، متعددة ومتفرقة.

يقدّم المعرض تجارب موجهة للأطفال، مثل محاكاة فضائية بقيادة رائد فضاء، وبرامج أدب الشباب مثل TikTok Book Award، وقاعات للمانغا والقصص المصوّرة.

إلى جانب المعرض، انطلقت فعاليات مهرجان القراءة “Open Books” من 14 إلى 18 أكتوبر، حيث يقدّم نحو 175 مؤلفاً بالإضافة إلى فعاليات أدبية مجانية في أحياء المدينة.

كما تم التركيز هذا العام على الطرق والوسائل التي تعمل على تفعيل القراءة لدى الأطفال وفئة الشباب، في هذا السياق يُذكر أنّ رئيسة اتحاد الناشرين الألمان، حذّرت من ظاهرة مُقلقة حسب تعبيرها وهي أنّ “واحد من كلّ أربعة أطفال لا يمتلك مهارات قراءة كافية”.

وعليه يُنظر إلى المعرض ليس كسوق للكتب فحسب، بل كمسرح يُظهر التحديات المعاصِرة: التمدد الرقمي، قضايا حرية التعبير، الفكر السياسي والتكنولوجي.
إلا أن بعض الأصوات الثقافية، ومنها مبادرات للمقاطعة، تنتقد غياب معالجة واضحة للقضية الفلسطينية ضمن برامج المعرض، معتبرة أن المجال الثقافي لا يمكنه أن يكون محايدا من دون إحالة إلى القضايا العادلة.

كما أُعلن عن فوز الكاتبة دوروثي إلميغر بجائزة الكتاب الألماني لعام 2025 عن روايتها النساء الهولنديات

وكذلك منح المعرض جائزة السلام لتجارة الكتب للمؤرخ الألماني كارل شلوغل، تقديراً لجهوده في دعم الحوار التاريخي والثقافي.

مشاركة عربية واسعة من داخل ألمانيا وخارجها

معرض فرانكفورت بألمانيا هذا العام ضمن نسخته السابعة والسبعين، شكّل حضوراً لافتاً إذ يجسِّد تحوُّلاً ثقافياً ومعرفياً يُعزّز مستوى التمثيل العربي على الساحة العالمية للنشر.

من المشاركات العربية المميزة في المعرض لهذا العام مشاركة دولة الإمارات العربية، والتي جاءت تحت إطار الثقافة الرقمية تلتقي الهوية، فقد شارك مركز أبو ظبي للغة العربية بجناح مشروع المكتبة الرقمية العربية، حيث يدير هذا المشروع برامج ثقافية متعددة، مثل جلسة حول القصص العربية المصوّرة، وأخرى عن عادات القراءة لدى الشباب الإماراتي والألماني، كما اشتملت برامجه على جلسات مرتبطة بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وقد استحضرت في ذلك التجارب الأدبية العربية المعاصرة. وأيضا من خلال مشاركة مكتبة محمد بن راشد في دبي 

حيث تستعرض المكتبة خلال المعرض مبادراتها، مثل “عالم يقرأ” وجائزة محمد بن راشد للغة العربية بثلاث لغات، إلى جانب خدماتها الرقمية حيث عرضت استعداداتها لتنظيم الدورة الثانية من قمّة دبي الدولية للمكتبات والنشر نهاية أكتوبر المقبل، تحت شعار “مستقبل صناعة النشر”.

وفي إطار جناح جماعي تنظمه جمعية الناشرين الإماراتيين، تعرض دور النشر إصداراتها مع رموز QR تتيح الوصول إلى المحتوى الرقمي وتبادل الحقوق، كما أطلقت ترجمات ألمانية لبعض الكتب الإماراتية، تمهيداً لدخولها الأسواق الأوروبية والعالمية.

كذلك شاركت المملكة العربية السعودية، حيث افتتحت المملكة جناحها المتكامل تحت إشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة، وللمرة الأولى، تُشارك السعودية بجناح رسمي يمثل مؤسسات مثل مكتبة الملك فهد الوطنية، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وهيئة النشر والترجمة. الجناح يُعدّ نافذة لعرض إنجازات النشر السعودي، ومحطة للحوار مع دور نشر عالمية في سياق الرؤية الثقافية الطموحة لرؤية 2030.

كما تشارك سلطنة عُمان بجناح رسمي يضمُ إصدارات متنوّعة من مؤسسات حكوميّة ومجتمعية، ومنصّة “عين” للمحتوى الرقمي والكتب الصوتية والمرئية، إلى جانب الترويج للتراث الثقافي والبيئي العُماني.

من جهة أخرى يشارك عدد من الكتّاب العرب في برنامج وفعاليات المعرض، أبرزهم الروائية العمانية جوخة الحارثي في جلسة حول روايتها “سيدات القمر” والباحث حسام الدين درويش في ندوة عن الهويّة الوطنيّة والعولمة، والشاعرة وداد نبي التي تقدم كتابها بالشراكة مع الكاتبة الألمانية أنييت غروشنير، بالإضافة إلى كتّاب آخرين مثل نجم والي، أسامة الشحماني، وحليم يوسف. كما يشارك ناشرون عرب من مصر والمغرب ولبنان ضمن برنامج يهدف لتسهيل التواصل مع دور النشر كما حصل الناشر الألماني من أصول تونسية، فيصل حمودة، على إحدى الجوائز في معرض فرانكفورت للكتاب، وهي جائزة اتحاد الناشرين، وذلك عن دار النشر التي أسسها قبل 20 سنة. وتسلم الجائزة خلال الحفل من وزير الدولة للثقافة ومفوض الحكومة الاتحادية للثقافة والإعلام، فولفرام فايمر.

مشاركات عربية من داخل ألمانيا

حول مشاركة مؤسسة بنيان للنشر، يقول فرس دباس مؤسس مؤسسة بنيان للنشر والتوزيع في ألمانيا، من دواعي فخرنا وسرورنا المشاركة في أحد أهم الأحداث الثقافية في العالم، تأتي مشاركنا هذا العام تأكيداً على  التزام المؤسسة بنشر الثقافة العربية والأدب العربي إلى القراء في أوربا وخارجها  وتعزيز الحوار الثقافي بين الشرق والغرب  قدمنا من خلال مشاركنا مجموعة من الإصدارات الجديدة التي تعبر عن  تنوع التجربة الأدبية والفكرية في العالم العربي  من بينها كتاب “رسائل  لم تصل إليه” من تأليف إليزابث فون هايكنغ ومن ترجمة  الدكتور عبد الحكيم شباط  كذلك كتاب أحزان موسمية للكاتب سامر نجار  وبعض الإصدارات الأخرى التي تعكس رؤية المؤسسة في تبني الاعمال الإبداعية لأصلية التي تمس  الانسان وتفتح نوافذ جديدة للتفكير

وجودنا في هذا المعرض العالمي يمثل خطوة إيجابية في مسيرة بنيان للنشر يفتح نوافذ حقيقية ومباشرة بين القارئ  

وإبراز الصورة المشرقة للأدب العربي.

مشاركة مكتبة ابن رشد في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2025

المهندس حسان أحمد أنيس المدير التنفيذي لمؤسسة ابن رشد التعليمية في ألمانيا وفي تصريح له عن مشاركة مكتبة ابن رشد في فعاليات المعرض يقول:

يُعقد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب سنوياً، في منتصف شهر أكتوبر من كل عام. يُعد المعرض واحداً من أبرز وأكبر الفعاليات في عالم النشر وصناعة المحتوى الثقافي والتعليمية والتربوي. ينظم المعرض من قبل اتحاد الناشرين الألمان

Börsenverein des Deutschen Buchhandels

يستقطب المعرض في الأيام الثلاث الأولى الناشرين، ووكلاء الحقوق، وأصحاب المكتبات، بالإضافة لمصممي الكتب، ورسامي كتب الأطفال، وشركات تكنولوجيا المحتوى. حيث تعقد صفقات بيع وشراء الحقوق الفكرية.

أي أن المعرض ليس لبيع الكتب بشكل أساسي! وإنما لبيع وشراء الحقوق الفكرية بين دور النشر.

وفي اليومين الأخيرين، السبت والأحد يسمح لمحبي الكتب والجمهور العام بالدخول إلى أجنحة المعرض للإطلاع على آخر منشورات دور النشر، وربما شراء بعض النسخ المعروضة.

شاركت مؤسسة ابن رشد التعليمية، هذا العام بجناحيها مكتبة ابن رشد كموزع للعديد من دور النشر العربية، ودار نشر كتابنا للنشر والتوزيع منشوراتها المتخصصة في المجال التعليمي. كانت المشاركة في إطار جناح خاص بالإضافة للجناح المشترك لاتحاد الناشرين السوريين.

ومن الجدير بالذكر أن إدارة المعرض تعرّضت الانتقادات شديدة وصلت لحدّ المقاطعة من قبل العديد من الكتاب والأدباء المعنيين بالشأن الأدبي والفكري، وذلك بسبب تحيزها السياسي الأعمى لإسرائيل في دورة 2023 حيث حُرمت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي من جائزة أدبية كانت قد حازت عليها قبل أحداث السابع من أكتوبر.

تعد هذه هي المشاركة الرابعة للمؤسسة في هذا المحفل الثقافي الدولي منذ العام 2010. وقد لاحظنا التطور المستمر لنشاط المعرض حيث لايزال ينبض بالحياة على الرغم من انكماش عدد الدور المشاركة بنسبة 15٪ إلاّ أن المعرض استطاع وبنجاح اجتياز الأزمة الشديدة التي تعرض لها خلال جائحة كورونا بين عام 2020 – 2022.

يُذكر أن الاستاذ حسان أحمد أنيس شارك كمحاور في الندوة التخصصية التي نظمها جناح اتحاد الناشرين العرب بعنوان: تحديات وآفاق توزيع الكتاب العربي في أوروبا، وهي من القضايا التي تشغل المؤلفين والناشرين على حدّ سواء في أوربا والعالم العربي.

الفلبين ضيف الشرف

تم اختيار الشعار الفلبيني لهذا العام الخيال يسكن الهواء  مستلهمة هذه العبارة من رواية البطل القومي الفلبيني خوسيه رِيزال «نولي مي تانغيْري» (Noli Me Tangere) التي نُشرت في ألمانيا، ليكون عنواناً لتجربة فكرية وجمالية في جناح فريد التصميم يعتمد مواد محلية مثل الخيزران والأصداف.
يعرض الجناح أكثر من 60 عنواناً فلبينيا مترجما إلى الألمانية، مع برامجه الأدبية والموسيقية، ومسابقة معاركالفليبتوب للشعر المرتجل، إلى جانب مشروع متجول للقراءة في شوارع فرانكفورت.
ويضم الوفد الفلبيني نحو 100 مندوب، من بينهم الحائزة على نوبل للسلام ماريا ريسا، في تأكيد على البُعد التواصلي بين الأدب والسياسة.

جاءت مشاركة الفليبين من أجل تعزيز حضور اللغة والثقافة الفلبينية من خلال الترجمة والنشر العالمي، تسعى الفلبين إلى إيصال صوتها إلى جمهور أوسع، وتوسيع دائرة قرّائها وخلفائها. كذلك من اجل زيادة فرص التبادل والنشر الدوليك ضيف الشرف يمنح الناشرين الفلبينيين وهيئاتها الثقافية منصة للقاء المكتبات، الموزّعين، والقراء الدوليين، ما يفتح أبواباً لترجمات وصفقات نشر.

 بالإضافة إلى الاسهام في دفع الصناعات الثقافية المحلية التقليدية والتحضير لمثل هذا الحدث يعزز من إنتاج المؤلفين والرسامين والفنانين، ويحفّز السرد الفلبيني المعاصر، بما في ذلك الرواية، القصص، الكوميكس، والفن البصري.

ما يفتح الباب واسعا امام تواصل ثقافي عالمي ذي صبغة تجارية ينطلق من أرض المعرض يذكر أنه في عام 2015 كانت اندونيسيا ضيف الشرف في المعرض.

يأتي معرض فرانكفورت للكتاب 2025 ليؤكّد أنّ الكتاب لم يعد مجرد سلعة؛ إنه منصّة للتلاقي بين الشعوب، وجهد ثقافي لتمثيل الهُوية والتعدد، حضور الثقافة العربية في هذا المعرض وكما يبدو هذا العام، يحاول أن يتجاوز الحضور العرضي ليحوّل الصوت العربي إلى مشاركة فاعلة في صناعة الثقافة العالمية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه  في الترجمة و التمويل، والرؤية الاستراتيجية الموحدة، إلا أن هناك جهودا حثيثة لمواكبة الرقمنة والانتقال إلى المحتوى الإلكتروني في صناعة النشر، هذا ما سعت إليه المشاركات العربية القادمة من الخليج العربي.