تداعيات تشديد ضبط الحدود الأوروبية ومستقبل اتفاقية شنغن

داليا عريان
في تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات عن الهجرة واللجوء جاء فيه:
تمثل الهجرة واللجوء ملفات شائكة على طاولة النقاشات بين دول الاتحاد الأوروبي على مدار عقود، ومؤخراً ورغم إقرار الاتحاد ميثاقاً جديداً للهجرة واللجوء، بشأن مسألة تقاسم أعباء الهجرة، ومناقشة تطبيق آليات جديدة لمراقبة الحدود، والسعي لإنشاء مراكز احتجاز لطالبي اللجوء، فإن تداعيات هذه التشريعات الجديدة، لن تضمن حقوق المهاجرين واللاجئين، خاصة القادمين من مناطق نزاعات وحروب، ولن تحافظ على الأمن القومي الأوروبي، ما يطرح تساؤلات حول تبعات هذه التغيرات في سياسات أوروبا ضد المهاجرين.
ما طبيعة السياسيات الأوروبية الجديدة بخصوص الهجرة؟
بعد أعوام من النقاش الحاد بين دول الاتحاد الأوروبي، قدمت المفوضية الأوربية قانوناً جديداً لتسهيل طرد المهاجرين غير الشرعيين، في أعقاب إعلان ألمانيا وبولندا عن ضوابط حدودية صارمة جديدة.اعتمد التكتل الأوروبي اتفاق الهجرة واللجوء في 10 مايو 2024، وطالبت دول مثل فرنسا وألمانيا بتسريع تنفيذه، لمواجهة مشكلات طالبي اللجوء، في ظل ضغوط من قبل أحزاب اليمين المتطرف لتعديل قوانين الهجرة بالاتحاد.
ورغم معارضة المجر وبولندا لميثاق الهجرة واللجوء، إلا إنه تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع دخول هذه التشريعيات حيز التنفيذ في منتصف عام 2026، وأن تتقدم جميع الدول الأعضاء بخطتها الوطنية بحلول ديسمبر 2025.
وإن انخفاض عملية الدخول غير الشرعية للمهاجرين خلال الأشهر الـ (9) الأولى في 2024، بنسبة (42%) لدول الاتحاد، لم يمنع من تشديد قواعد اللجوء والهجرة، ووضع آلية فحص للمهاجرين لتحديد ما إذا كانوا مؤهلين للحماية والبقاء أو ترحيلهم.
وقامت المفوضية الأوروبية بتحديد دولة ثالثة آمنة، على مستوى التكتل الأوروبي، لتجنب الخلافات بين الدول الأعضاء وتسريع معدلات الترحيل التي تتراوح بين (20%-30%)، خاصة وأن عملية طرد المهاجرين تخضع لقانون 2008، ويعتبره المدافعون عن حقوق الإنسان أنه غير انساني، حيث يسمح بطرد المهاجرين خلال فترة معالجة طلباتهم إلى دول ثالثة، ويسمح للمهاجرين بالمغادرة خلال مدة (7-30) يوماً طوعاً، وينص على تدابير إيداعهم بمراكز احتجاز قبل الطرد.
وفي هذا السياق أطلق الاتحاد الأوروبي في 21 مايو 2025، مرحلة جديدة من الرقابة الحدودية، بالاتفاق بين البرلمان الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء، على نظام متطور لمراقبة دخول وخروج الأجانب لمنطقة شنغن، بالاعتماد على بيانات بيومترية تشمل بصمات الأصابع وتقنيات التعرف على الوجه.
وتنظر مؤسسات التكتل إلى هذا النظام، باعتباره تعزيزاً للأمن الداخلي، وتضييقاً للثغرات التي يلجأ لها المهاجرون غير الشرعيون للتنقل داخل أوروبا، وسيبدأ تنفيذه لمدة انتقالية (6) أشهر، يسمح بتفعيل النظام دون جمع البيانات البيومترية في أول شهرين، وفي الشهر الثالث سيعالج النظام (35%) من عمليات عبور الحدود، وبانتهاء المرحلة يغطي كافة المعابر ويحل محل الختم اليدوي لجوازات السفر وأنظمة الرقابة التقليدية.
وبما يتعلق بتدابير مسك الحدود، وافق البرلمان الأوربي في 7 يوليو 2025، بشكل نهائي على تطبيق نظام مراقبة الحدود، وكان من المفترض تطبيق نظام الدخول والخروج “EES”، لكن عدم جاهزية بعض الدول أجله، وأشار البرلمان الأوروبي، إلى أن النظام يسهل عملية التنقل الحر ويحسن الأمن ويقلل طوابير الانتظار عند الحدود.الهجرة واللجوء ـ الحدود القانونية لمنطقة شنغن، هل تم تجاوزها؟
ما مخاطر تشديد الحدود على منظومة اللجوء الأوروبية؟
تراجع فرص الوصول إلى الأراضي الأوروبية
يتخوف المسؤولون والخبراء لشؤون الهجرة واللجوء من الإجراءات الجديدة بالاتحاد الأوروبي، وأوضح المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أن التركيز على ضوابط الحدود لن يمنع الهجرة غير الشرعية. ويقول الباحث في شؤون الهجرة “الد كناوس”، أن الضوابط الحدودية لن تمنع مخاطر الهجرة غير الشرعية، ولكن تعيق اللاجئين القادمين من مناطق النزاعات، للوصول إلى أراضي أوروبا، وتصعب عملية التنقل الحر بين دول الاتحاد.
يٌذكر بإن منطقة الشنغن لأكثر من (425) مليوناً من مواطني الاتحاد بحرية الحركة، ومواطنين آخرين من خارج التكتل يعيشون ويعملون بشكل قانوني في دول التكتل، وتعد من أكبر مناطق التنقل بالعالم، ويمر عبر الحدود الداخلية يومياً حوالي (3.5) مليون شخص، وانضمت بولندا إلى (11) دولة أوروبية شددت قيود التنقل عبر حدودها، ما يهدد معاهدة شنغن التي تضبط الحدود الداخلية بين دول الاتحاد، ويعيق حركة التجارة والسياحة بينهم.
وحذرت ألمانيا وهولندا وفرنسا من عدم جاهزية نظام الحدود الجديد، مطالبين بوضع جدول زمني لتطبيقه، ويتوقع مسؤولون بالاتحاد، تأثر (40%) من حركة المرور بهذا النظام عبر الدول الثلاث. وتسبب هذا النظام في مشكلة على الحدود البولندية الألمانية، وبدأت وحدات الشرطة البولندية بمراقبة وفحص المارة بجميع المعابر الحدودية مع ألمانيا، رداً على عمليات التفتيش بالجانب الألماني، ما تسبب في طول فترة العبور لكثرة الإجراءات.
لجوء المهاجرين إلى طرق أكثر خطورة
تتخوف منظمات حقوق الإنسان، من غياب الاعتبارات الإنسانية والاعتماد على المعايير السياسية في ضبط الحدود، في ظل انتقاد اليمين المتطرف لتجربة عامي 2015 و2016، التي طبقتها ألمانيا ومن بعدها بعض دول الاتحاد بشأن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين جراء الحروب بمنطقة الشرق الأوسط. ويفتقد ميثاق الهجرة الجديد تقديم أي ضمانات إنسانية، بل ينص على قواعد الاحتجاز والانتظار لمدة أطول على الحدود، وتسريع إعادة اللاجئين والمهاجرين لبلدانهم أو دولة ثالثة آمنة.
ويمكن القول بإن تعديلات قانون الهجرة قد تشجع عصابات الهجرة غير الشرعية، على إبرام صفقات مشبوهة لإعادة المهاجرين لأوروبا، ما يخلق أزمات بين دول الجنوب ودول مثل فرنسا وألمانيا، لتدفق مهاجرين غير شرعيين بشكل متزايد.
استخدام الاتفاقيات مع دول خارج الاتحاد
ربما يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل الاتفاقية الخارجية، وفي 2016 وقع الاتحاد وتركيا، اتفاقاً لإعادة المهاجرين غير الشرعيين الذي يصلون لليونان، مقابل دفع بروكسل (6) مليارات يورو لتحسين أوضاع اللاجئين في تركيا. وفي 2017 أبرم الاتحاد مع تونس اتفاقاً بقيمة مليار يورو لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
ووقع التكتل مع موريتانيا في 2024، مذكرة تفاهم لتخصيص (210) ملايين يورو لمراقبة الحدود البحرية والبرية، لمواجهة طريق “الهجرة الأطلسي- نحو جزر الكناري”. وقدم التكتل الأوروبي في الفترة (2021-2024) مساعدات لمصر بقيمة (110) ملايين يورو لمراقبة الحدود.
و خلال 2024، مولت فرنسا وألمانيا شركات خاصة تكنولوجية، لمراقبة المهاجرين في دول شمال أفريقيا، برادارات متحركة وطائرات مسيرة وأنظمة ذكاء اصطناعي، للتعرف على الوجوه وإنشاء نظام معلوماتي مشترك.الاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا – آفاق التعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية . ملف
ما انعكاسات الخطاب اليميني المتشدد على المهاجرين؟
ترى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أن الإجراءات المشددة تجاه المهاجرين، تردع أحزاب اليمين المتطرف وتهدأ من الخطاب المعادي للاجئين والمهاجرين، ولكن تبدو أن النتيجة عكس هذه التوقعات، بل ستزيد هذه القواعد الصارمة بشأن الهجرة، من شعبية اليمين المتطرف وتعزز فكرة أن سياساته هي الأصح، وستربط الأحزاب اليمينية أي إصلاحات اقتصادية بتراجع عدد المهاجرين، الأمر الذي يزيد نفوذها في الحياة السياسية ويقربها من الوصول للسلطة.
وما تهدف له السياسات الأوروبية هو ضبط الحدود وتحجيم مخاطر الجريمة المنظمة الإرهاب، وهذا من شأنه يفتح المجال أمام المشاعر والأفكار المعادية للمهاجرين واللاجئين، خاصة وأن الأحداث الفردية” الذئاب المنفردة” التي قام بها مهاجرون شهدت تصاعداً.
ماتأثير قوانين الهجرة على تماسك الاتحاد الأوروبي؟
تمثل إجراءات ألمانيا بشأن الهجرة، رقابة مشددة على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا والنمسا، انحرافاً عن اتفاقيات الاتحاد المتعلقة بالتنقل بين الدول الأعضاء، وتسبب اتفاق إيطاليا مع ألبانيا، حول إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين الذين يخضعون لإجراءات مطولة، في استياء واسع بأوروبا. وعلى سبيل المثال فرضت بولندا إجراءات تفتيش مشددة مع ألمانيا وليتوانيا، ما يهدد رمز التكامل والهوية المشتركة المرتبطة بأن منطقة السفر بلا حدود في التكتل الأوروبي. حذر الباحث في شؤون الهجرة ديفيد كولومبي، من امتداد التوتر الألماني البولندي إلى نطاق أوروبي أوسع، وفرضت النمسا ضوابط على حدودها مع سلوفينيا والمجر لأول مرة منذ 2015. شرعت سلوفينيا في إجراءات تفتيش مع كرواتيا عقب انضمام الأخيرة إلى منطقة شنغن.
وهذا كان له إنعكاسات سلبية على المناطق الحدودية في النمسا ولوكسمبورغ وبولندا، بتعطل سلاسل التوريد وفترات انتظار أطول، وضغوط على الشركات المحلية العابرة للحدود، وتقدر الخسائر جراء التفتيش على الحدود الداخلية، ما بين (10-20) دقيقة للسيارات، و(30-60) دقيقة للمركبات الثقيلة، وتكلف قطاع النقل (320) مليون يورو. ومايزيد في قلق قادة الاتحاد من أن تصبح عملية التفتيش الداخلية دائمة، ما يؤدي لانهيار نظام شنغن تماماً، وتعطيل حركة الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال، وتقويض المعايير القانونية لمعاهدات الاتحاد، بينما تؤكد المفوضية الأوربية، أنها تسعى لتطوير نظام شنغن بنظامي الدخول والخروج “ESS” و” ETIAS”.ملف : اليمين المتطرف في أوروبا، مدى تأثيره على سياسة اللجوء والهجرة؟
تقييم وقراءة مستقبلية
– تعد إجراءات الهجرة المشددة اختباراً جديداً لقدرة الاتحاد الأوروبي، على التماسك وتجاوز الخلافات بين الدول الأعضاء بشأن الضوابط الحدودية، والحفاظ على معاهدات واتفاقيات التكتل، خاصة وأن التشريعات الجديدة لم تقبلها الدول الأعضاء بسهولة لافتقادها معاييراً إنسانية، وتهديدها لحركة التجارة والتعاون بين الدول، وفي الوقت نفسه ينظر سياسيون إلى الأمر بأنه دليل على تغلغل أحزاب اليمين المتطرف للمؤسسات الأوروبية، وتأثيرها القوي في مسألة الهجرة، لاسيما وأن برنامجها السياسي يعتمد على انتقاد سياسات الاتحاد الأوروبي في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين في العقود الأخيرة.
– يغفل الاتحاد الأوروبي أن إجراءات الهجرة الجديدة تفقد التكتل الميزة في حرية التنقل، المتعلقة باستقبال اللاجئين والمهاجرين وقت الأزمات، واستبدال صورته من داعم إلى حقوق الإنسان إلى صورة التكتل المدافع عن المصالح الجيوسياسية فقط. وتمثل التعددية في المجتمعات الأوروبية أساس الأنظمة والدساتير، ما يعني أن التعديلات الراهنة لنظام الهجرة لا ينعكس فقط على المعاهدات، بل يمتد إلى المبادئ والأسس القانونية التي تأسس عليها التكتل الأوروبي.
– يواجه أحزاب الوسط ضغوطاً لإظهار صرامة في التعامل مع ملف الهجرة، وللانقسامات في داخله حول ميثاق الهجرة الجديد، ما يفقد هذه الأحزاب المصداقية أمام جمهورها المعتاد، وتنحصر شعبيتها بشكل أوسع، في ظل ارتفاع شعبية أحزاب اليمين المتطرف، ما يتطلب من أحزاب الوسط إعادة صياغة برامجها السياسية وتجديد الخطاب مع الناخبين، لضمان بقائها في الحياة السياسية.
– لن يتراجع الخطاب المعادي للمهاجرين واللاجئين في دول الاتحاد، بل تستغل أحزاب اليمين المتطرف الإجراءات الراهنة، للترويج إلى أن سياسة الضغط المتبعة مع الحكومات الحالية، تنجح في إحراز تقدم في القضايا الخلافية وفي مقدمتها الهجرة، وتستعين بالخطاب ذاته في الحملات الانتخابية لكسب أصوات جديدة رافضة لاستقبال اللاجئين والمهاجرين.
– تنعكس إصلاحات الهجرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي لدول الاتحاد، فالتأثيرات السلبية تنعكس على حجم العمالة والتوظيف وسوق العمل، خاصة وأن بعض الدول تعتمد على المهاجرين في بعض التخصصات ومجالات العمل، فألمانيا تعد نموذجاً للاعتماد على المهاجرين لتعويض نقص العمالة لديها، وفي الوقت نفسه تزيد هذه الإجراءات من الضغوط على المهاجرين المتواجدين بالفعل بدول الاتحاد، للاندماج بشكل سريع بالمجتمع، وإظهار مدى قدرتهم للمشاركة بإيجابية في المجتمع، ما يفقد البعض فيهم الثقة في دول أوروبا، ويمنح التنظيمات المتطرفة فرصة، لاستقطاب المهاجرين واللاجئين، الأمر الذي يهدد التماسك المجتمعي قبل التماسك السياسي لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.
.