واشنطن تدعو الفلسطينيين إلى الصبر

اتهم جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط أعضاء القيادة الفلسطينية بالسعي لوأد خطة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية التي يرعاها ترامب حتى قبل الكشف عنها.

وحث غرينبلات المسؤولين الفلسطينيين على الانتظار حتى يروا تفاصيل الخطة قائلا إن من الخطأ إعلان “وفاتها فور وصولها”.

وفي مقابلة مع رويترز، رفض غرينبلات، أحد مهندسي الخطة التي يصفها ترامب بأنها “صفقة القرن”، استنكار مسؤولين فلسطينيين لمقترحات السلام المنتظرة التي يرون أنها ستكون منحازة بشدة لإسرائيل وأنها ستوجه ضربة لهدف إقامة دولة فلسطينية.

وقاطعت السلطة الفلسطينية جهود السلام الأميركية بقيادة جاريد كوشنر صهر ترامب منذ أواخر عام 2017 حين قرر الرئيس نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل مخالفا سياسة أميركية استمرت عشرات السنين.

ويرأس غرينبلات وكوشنر فريقا يجهز لطرح الخطة التي طال انتظارها والمتوقعة في يونيو/حزيران. وينوي الاثنان المضي قدما في الخطة رغم وجود شكوك عميقة لدى خبراء بشأن نجاحها بعد فشل جهود دعمتها واشنطن على مدى عشرات السنين. ومع ذلك، فإن احتمال التأجيل وارد دوما في ظل التوتر في الشرق الأوسط خاصة جولة العنف الأخيرة في قطاع غزة.

وقال غرينبلات الذي تبادل الانتقادات علنا مع مسؤولين فلسطينيين كبار على تويتر “السلطة الفلسطينية تسعى لوأد خطة لم ترها. قد تقدم لهم الخطة شيئا يثير حماسهم ويغير موقفهم الحالي. عليهم أن يتحلوا بالصبر وينتظروا حتى إعلان الخطة”.

وأضاف “أي طرف يقول إنها (الخطة) ولدت ميتة ولا يمنحها الكثير من الاهتمام والعمل الشاق فستكون فرصة كبيرة ضائعة”.

ورغم تأكيد واضعي الخطة على أن تفاصيلها غير معروفة سوى لعدد محدود من الأفراد، إلا أن مساعدي ترامب قالوا إنها ستعالج قضايا سياسية رئيسية في الصراع الطويل مثل وضع القدس، كما ستعرض سبلا لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني المتعثر.

وأضافوا أنهم يتوقعون انتقاد إسرائيليين وفلسطينيين لبعض المقترحات.

وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمام اجتماع في الأمم المتحدة حضره غرينبلات إن الولايات المتحدة تصوغ على ما يبدو خطة لاستسلام الفلسطينيين لإسرائيل وليس اتفاقا للسلام مشيرا إلى أنه لا يوجد أي قدر من المال يمكن أن يجعل ذلك مقبولا.

وأحد مصادر القلق لدى الفلسطينيين هو ما إذا كانت الخطة ستفي بمطلبهم الأساسي وهو إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.

وأحجم كوشنر، الذي كان مطورا عقاريا قبل أن يصبح مستشارا كبيرا لترامب، عن القول عما إذا كانت الخطة تشمل حل الدولتين وهو هدف محوري لجهود سلام أخرى سابقة حظيت بتأييد دولي كبير.

وكرر غرينبلات تصريحات أدلى بها كوشنر قبل عدة أيام في مؤسسة أبحاث في واشنطن قائلا “لا نستخدم هذا العنوان، (ولا) تلك العبارة، لأنها تعني أمورا مختلفة لأناس مختلفين. الخطة التفصيلية ستوضح ما نراه أفضل حل للطرفين”.

وقال نبيل ابو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوكالة رويترز “الذي أفشل خطة ترامب هو الذي أخرج القدس من المعادلة. عليهم العودة إلى قرارات الشرعية الدولية وإلى كل ما تم التفاوض عليه مع الإدارات الأميركية السابقة”.

وأضاف “نحن ملتزمون بتحقيق سلام عادل ودائم على أساس دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.”

وسعت إدارة ترامب لحشد تأييد حكومات عربية، لكن غرينبلات قال إنه رغم وقوف إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب في صف واحد أمام العدو المشترك إيران إلا أن ذلك “ليس الخلطة السرية” للفوز بدعم الدول العربية. واضاف “ينبغي للصفقة أن تكون مناسبة للجميع”.

وطمأنت السعودية الدول العربية بأنها لن تدعم أي خطة أميركية لا تعالج المخاوف الفلسطينية الرئيسية.

وعندما سئل عما سيقوم به إذا فشلت جهود السلام قال غرينبلات “هذه القضايا صعبة. الصراع معقد للغاية ويوجد مخربون محتملون كثيرون”.

ويبدو أن المقاول “المقيم في البيت الأبيض” دونالد ترامب لا يستطيع الفكاك عن هواجس عالم المقاولات التي لا زالت تعشش في دماغه، ومن المعروف أن المقاول يعطي من شخصيته للمقاولات، كما تمنحه هذه المهنة صفاتها، التي تتلخص في الحرص على جني الأرباح وتحقيق الاستثمارات.

وكما هو معروف ليس لترامب سجل في التحصيل العلمي يُعتد به كي يُعطي مهنة المقاولات من صفاته أو خبرته، سُوى ما خاضه من تجارب ناجحة أو فاشلة في هذا السوق.

هكذا تُرسم السياسة الأميركية منذ بداية عهد ترامب الذي بشر العالم بـ “صفقة القرن” وتحول إلى تدمير الأساسات التي مارستها الإدارات الأميركية السابقة في الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حيث فرضت نفسها وسيطاً في هذه القضية طيلة السنوات الماضية.

ترامب الذي يجلس على عرش أعلى معدل عجز تجاري في التاريخ الأميركي، يريد في تصوره الإمبراطوري أن يُخضع الصين، ويحكم كوريا، ويعيد إيران إلى حضن أميركا كما كانت في زمن الشاه، ويُفرغ الثروات العربية في جيبه، كما يجب أن تُدين له أوروبا بالولاء المطلق فلا اعتراض على قرارات البيت الأبيض التي يجب أن تحني أمامها هامات “زعماء الدول” وتُسارع إلى تنفيذها المنظمات الدولية.

وتأتي “صفقة القرن” ضمن هذه السياسة الإمبراطورية ولكن بخصوصية مختلفة؛ فهي تخضع لابتزاز قوى تُمسك بيدها لجام الإمبراطور، ألا وهي “اللوبي الصهيوني” وعلاقته بـ “الصهيونية ـ المسيحية”.

ومن هنا يمكن القول إن “العرض الأخير” كعطاء لـ “صفقة القرن” لم يتم صياغته بعد، وأن ما يُطرح اليوم في الإعلام من طروحات والتي يُطلق عليها البعض “تسريبات” وفريق أخر يصفها بأنها “بالونات اختبار”، هذه التسميات غير دقيقة لأنها تنتمي لعالم السياسة. أما إذا رغبنا في منحها وصفاً أكثر دقة؛ فيمكن القول بأنها “استدراج عروض”.

.