علم أطفالك التحكم في الغضب

جميع الأطفال يغضبون، حالهم كحال جميع البشر؛ فنحن نغضب عندما نشعر بالتهديد؛ وتتحول أجسادنا تلقائيًا إلى وضع القتال أو الهروب، أو التجمد في أماكننا. ويُعد الغضب شكلًا من أشكال استجابة «القتال» للجسم؛ لذلك يتحرك البشر ضد أي تهديد محسوس، بما فيه مشاعرنا بالضيق، من خلال الهجوم.

وعندما يغضب الأطفال، فإنهم غالبًا ما يريدون مهاجمة أخاهم الصغير الذي حطم أحد ألعابهم، أو قاسمهم اهتمام ذويهم الذي كانوا يستأثرون به وحدهم، أو يوجهون غضبهم نحو آبائهم الذين عاملوهم بصورة غير عادلة، أو أحد معلميهم الذي أحرجهم في الفصل، أو أحد زملائهم الذي تنمر عليهم.

وفي حين أنه من الضروري في بعض الأحيان قمع الغضب مؤقتًا، إلا أن الغضب غير المعرب عنه قد يؤدي إلى أضرار عقلية، وأخرى نفسية، وحتى جسدية. وبتعليم أطفالنا كيفية التعرف على غضبهم والتعامل معه، يمكننا الحد من آثاره السلبية قبل حدوثها.

إليكم في السطور التالية بعض النصائح التي تساعد الآباء في تعليم أطفالهم الطرق المثلى للتحكم في الغضب.

ـ شجع أطفالك على التعبير عن مشاعرهم

منذ صغرنا، ترددت على مسامعنا عبارات تأمرنا ألا نغضب أو نبكي. وعادةً ما يُلام الأطفال الذكور عندما يبكون، وكثيرًا ما يسمعون عبارات مثل «لا تبكِ، فالرجال لا يبكون»، ولكن هذا لا يعود على الطفل بأي فائدة، ولا يؤدي سوى إلى كبت مشاعره.

ومعظمنا لم يدرس صراحة المهارات الاجتماعية، أو جرى تلقينها له، بل اكتسبناها من محيطنا على طول رحلة حياتنا، من خلال مراقبة تفاعلات آبائنا مع الآخرين. ولكن يمكن أن يكتسب الأطفال هذه المهارات منذ الصغر، ويجري تعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم بشكل مناسب في الظروف المختلفة، والتعبير عن أنفسهم دون أن يكونوا عاطفيين أو دفاعيين.

كذلك من المهم توضيح أن بعض المشاعر مثل الإحباط، وخيبة الأمل، والإحراج، والغضب، غالبًا ما تظهر بشكل مشابه، لكن الناس يتفاعلون معهم بطريقة مختلفة.

وفي حالات الغضب الشديد، اطلب بهدوء من طفلك أن يشرح لك سبب غضبه الشديد، ويمكن للحديث عن الأمر أن يساعد بعض الأطفال على التغلب على الغضب والهدوء. وإذا كان طفلك لا يريد مناقشة الأمر معك، فقد يشعر بالراحة عند التحدث مع حيوان أليف، أو دمية، أو صديق وهمي، أو شخصية مفضلة في قصة ما. ناقش طفلك في الأمر، واطلب منه رؤية جانب آخر من المشكلة، واربطها بالوضع الحالي، واسأله كيف كانت ستشعر شخصيته المفضلة وتتفاعل؟ فيمكنك تشجيعه على التحدث مع أي مما سبق، المهم أن يفضي بما في داخله، ويتمكن من التعبير عن مشاعره بصورة صحية.

ـ عَلّم طفلك مهارات التواصل

يجب أن يتعلم الأطفال أن يكونوا حازمين، وليسوا عدوانيين، وأن يعبروا عن أنفسهم دون أن يكونوا عاطفيين أو دفاعيين. وباعتبارك مُربِّي، عوّد طفلك ألا يقفز إلى الاستنتاجات مباشرة، وأن يتوقف ليستمع إلى ما يقوله الآخرون. كذلك، علِّم طفلك مهارات الاستماع النشط، كأن يحاول وضع نفسه مكانهم ما يضمن له تقدير موقفهم قدر الإمكان، والتفكير قبل التحدث، وطرح الأسئلة حتى يعرف ما يحاول الآخرون قوله.

ـ استخدم تقنية الوقت المستقطع ومهارات الاسترخاء

يمكنك استخدام وسيلة «الوقت المستقطع» من أجل إخراج طفلك من موقف صعب. وإذا استُخدمت هذه الطريقة استخدامًا صحيحًا؛ ففي هذه الحالة ليست عقابًا، بل وسيلة لإزالة فرد من موقف ما؛ مما يوفر الوقت للتفكير. ويتيح الوقت الفردي لطفلك تهدئة أعصابه، واستعادة السيطرة على نفسه.

وبالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، يمكن توجيههم نحو بذل جهد واعي بألا يصدر عنهم أي تصرف خلال لحظة الغضب، وأن يسعوا لإخراج أنفسهم من الموقف، والاستراحة حتى يهدأوا. يمكن نصحهم أيضًا بالانتظار قبل إرسال رسالة نصية، أو رسالة بريد إلكتروني، استجابةً لموقف أغضبهم، والابتعاد لفترة ما توفر لهم وقتًا للتفكير قبل اتخاذ الخطوة التالية.

ـ حدد لأطفالك قواعد سلوكية خاصة بالغضب

مع أنه من الضروري أحيانًا قمع الغضب مؤقتًا؛ لتجنب المواجهات التي قد تؤدي إلى عدوان جسدي – على سبيل المثال – إلا أن الغضب غير المعرب عنه قد يؤدي إلى أضرار عديدة، منها ارتفاع ضغط الدم، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم والاضطرابات الهضمية. كذلك، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى سلوك عنيف أو عدواني سلبي، قد يعوق الطفل عن إقامة علاقات شخصية فيما بعد.

وفي حين أنه لا يمكننا منع الغضب، إلا أنه يمكننا تعليم الأطفال طرق للتعبير عنه بحزم، دون الإضرار بالآخرين.

ـ علِّم طفلك مهارات حل المشكلات

لدى مساعدة الطفل في فهم السبب وراء غضبه، ومعرفة العلامات التي تظهر عليه عند الغضب، فإنك بذلك تكون قد خطوت أول خطوة في طريق إكسابه مهارات حل المشكلات.

يمكن للوالدين تعليم أطفالهم كيفية التعرف على مشاعرهم، والاعتراف بها، والتعامل معها بالشكل المناسب، من خلال طرح أسئلة تُحفز الأطفال على التفكير في حلولهم الخاصة. كلما مارس الأطفال المزيد من التدريبات على حل المشكلات بدلًا عن تفاعلهم العاطفي معها، زادت قدرتهم على التحكم في انفعالاتهم.

ـ كُن نموذجًا يُحتذى به

يُحاكي الأطفال الأشخاص البالغين؛ وبالتالي فإن الطريقة التي تتعامل بها مع غضبك وإحباطك، ستؤثر بالتأكيد على طفلك.

لذلك لا تكتفِي بإصدار التوجيهات لأطفالك، بل اجعل من نفسك نموذجًا يقتدون به. وإذا كنت تعتقد أنك لا تُبدي غضبًا في كثير من الأحيان، فاحرص على تحديد عدد المرات التي تصيح فيها، أو تغضب بطريقة أخرى، مثل الصراخ، واللكم على الحائط، وإلقاء الأشياء، مع ملاحظة ما الذي يُثيرها وكيف تتفاعل.

احرص جيدًا على تعزيز علاقتك مع طفلك، ومنحه الأدوات التي يحتاج إليها للتغلب على غضبه؛ إذ يمكن للطفل المرتبط بأبويه جيدًا أن يتعلم كيفية التعامل مع عواطفه وإدارتها، وحل المشكلات ومعالجتها، وتسيير أموره مع المشكلات إلى أن يجري حلها.

وإذا ما لاحظت خروج غضب طفلك عن المعايير الطبيعية – على سبيل المثال – إذا أبلغك المعلم أن غضب طفلك قد خرج عن نطاق السيطرة، أو إذا لاحظت أن طفلك يعاني من مشاكل في العلاقات، أو أنه متنمر، أو يحاول إيذاء نفسه، أو الآخرين، أو الحيوانات، فلا تترد في طلب المساعدة المهنية لك ولطفلك.

.