شخصية العدد: الفنان زكي رستم

يبدو أن قدر بعض النجوم الذين أمتعونا طوال تاريخهم بأعمال متميزة وخالدة في تاريخ الفن أن تكون حياتهم الخاصة مليئة بالمآسي والأحزان، ولعل من أكثر الفنانين الذين كانت حياتهم الخاصة عبارة عن فيلم تراجيدي طويل الفنان زكي رستم الذي يعد من أهم نجوم السينما المصرية على مدار تاريخها، ولم يكن هذا بشهادة النقاد والجمهور المصري فقط، إذ اعتبره العديد من النقاد العالميين أحد أكثر الفنانين موهبة على مستوى العالم، واختارته مجلة “باري ماتش” الفرنسية كواحد من أفضل عشرة ممثلين في العالم، كما وصفته مجلة “لايف” الأمريكية بأنه من أعظم ممثلي الشرق، وأنه لا يختلف عن الممثل البريطاني الكبير تشارلز لوتون، ورغم ذلك كانت حياته الخاصة من أقسى ما يكون، فقد عاش طوال حياته وحيدا، لم يتزوج أو ينجب أبناء، ولم يكن له أية أصدقاء سواء من داخل الوسط الفني أو خارجه

وفي ذكرى رحيله نسترجع رحلة حياة فنان بارع أعطى للفن كل عمره، فاستحق أن يكون من أهم ممثلي السينما المصرية.

ابن الباشوات

ولد زكي رستم وفي فمه ملعقة من ذهب، حيث نشأ في قصر يمتلكه جده اللواء محمود باشا رستم في منطقة الحلمية، وكان جده من كبار ضباط الجيش، أما والده محمود بك رستم فكان من كبار ملاك الأراضي الزراعية.

عشق زكى رستم التمثيل منذ الصغر، وكان يخرج مع مربيته لمشاهدة الموالد وعروض الأراجوز، وعندما كان طالباً في المرحلة الابتدائية كان يذهب مع أسرته لمشاهدة العروض المسرحية التي تقدمها فرقة جورج أبيض، ولم يكن التمثيل هوايته الوحيدة، إذ كان بطلا رياضيا أيضا، وكان يهوى رفع الأثقال، وحصل على بطولة هذه اللعبة عام 1923، وفي العام التالي حصل على شهادة البكالوريا.

مرحلة التمرد

بعد حصوله على البكالوريا، كان من المفترض أن يستكمل دراسته لكلية الحقوق، طبقا للتقليد السائد فى العائلات الارستقراطية الذي يلزم أبنائها باستكمال دراستهم الجامعية، ولكن المفاجأة أنه رفض دراسة الحقوق، وأخبر والدته برغبته في أن يكون ممثلا، هنا ثارت الأم بشدة، وخيرته بين الفن والعيش معها، فاختار الفن وترك المنزل، فأصيبت الأم بالشلل حزناً على عمل ابنها بالتمثيل.

كانت بداية زكي رستم في التمثيل من خلال سليمان نجيب، نجح في ترتيب لقاء مع جورج أبيض، وعندما رآه طلب منه أداء مشهد تمثيلي، وبعد نجاحه في أداء هذا المشهد بتفوق واضح، وافق على انضمامه لفرقته، حيث ظل يعمل فيها لمدة سنة ونصف تعلم خلالها الاندماج الكامل في الشخصية وهو الأسلوب الذي اشتهر به جورج أبيض، وقد رفض زكي رستم خلال عمله مع جورج أبيض تقاضي أي أجر، فكان حبه للتمثيل يجعله سعيدا بممارسة هوايته دون مقابل، رغم أن الأجر المحدد له كان نحو 7 جنيهات، وهو ثروة بمقاييس هذا العصر، وقد ظل يعمل بدون أجر في فرقة رمسيس التي انتقل إليها بعد تركه فرقة جورج أبيض، إلا أن يوسف وهبي أقنعه بأهمية الاحتراف وتقاضي أجر، وبالفعل تقاضى أول أجر شهري في حياته 15 جنيها، وكان من الأجور المميزة داخل الفرقة، حيث كان البطل الأول يحصل على 25 جنيها، وبعد عامين من عمله بالفرقة التحق بفرقة فاطمة رشدي و عزيز عيد، وكانت محطته المسرحية الأخيرة في الفرقة القومية.

الفنان ذو الألف وجه

برع زكي رستم في أدوار الشر، وساعدته ملامحه الحادة على إتقان هذه النوعية من الأدوار، وقد وصل درجة إتقانه أن الناس كانت تكرهه بالفعل، وتصوروا أنه فعلاً شرير، كما تميز أيضا في أدوار الباشا الارستقراطي فى العديد من الأفلام، منها صراع في الوادي مع عمر الشريف و فاتن حمامة اللذين قدم معهما دور الباشا في فيلم آخر هو نهر الحب، وقدمه أيضا في فيلم أين عمري مع الفنانة ماجدة، وفيلم أنا الماضي مع فاتن حمامة و عماد حمدي، ورغم تميزه فى أداء دور الباشا الارستقراطي، إلا أنه جسد أيضا شخصية الموظف المطحون ببراعة ملحوظة لا تقل عن براعته في تقمص دور ابن البلد أو البلطجي أو تاجر المخدرات أو رجل القانون، ولهذا أطلق عليه النقاد لقب الفنان ذو الألف وجه.

وقد صرحت فاتن حمامة فى إحدى حواراتها أنها شعرت بالرعب عندما وقفت أمامه في فيلم نهر الحب من شدة اندماجه، وعبرت بقولها ” رستم يندمج في الدور لدرجة أنه لما يزقني كنت بحس أني طايرة في الهواء” ، ومن المواقف الشهيرة الآخرى التي تدل على أن زكي رستم يندمج في الشخصية التي يقدمها وينفعل بها ويتجاوب معها أنه أثناء تصوير فيلم الفتوة أصر على أن يدخل فريد شوقي ثلاجة الخضار التي حبسه فيها زكي رستم في أحداث الفيلم، وذلك لأن فريد خرج من مكانه في الثلاجة ليتابع الأداء البارع لزكي رستم، فلم يستطع زكي أن يواصل الأداء عندما لمح فريد خارج الثلاجة، وأصر على دخوله الثلاجة حتى يكتسب المشهد الصدق والفاعلية.

توفى عام 1972 عن عمر يناهز 69 عاماً.

.