دراسة تؤكد أن الحد من الهجرة سيكلف غالياً

 

 

إبراهيم بدوي

 

كيف أنقذ المهاجرون اقتصاد ألمانيا من خسارة عشرات المليارات من الدولارات؟..

 

إيقاف تدفق المهاجرين يعني، بكل بساطة، إعاقة النمو الاقتصادي.

تشير دراسة جديدة أجرتها إيان غولدين، أستاذ التنمية والعولمة بجامعة أوكسفورد، مع مجموعة Citigroup، إلى أنَّ ثلثي النمو في اقتصاد الولايات المتحدة منذ عام 2011 يُعزى بشكلٍ مباشر إلى الهجرة.

ويوضح تقرير لصحيفة Financial Times ، أنه في المملكة المتحدة لو أنَّ الهجرة أُوقِفَت في عام 1990 بحيث يبقى عدد المهاجرين ثابتاً، لأصبح النمو الاقتصادي أقل بنسبة 9% على الأقل مقارنةً بما هو عليه الآن. وهذا يعادل خسارة حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي تربو على 175 مليار جنيه إسترليني (226.5 مليار دولار تقريباً) على مدى 15 عاماً.

في ألمانيا، لو أُوقِفَت الهجرة بشكل مماثل، لكان صافي الخسارة الاقتصادية 6%، أو 155 مليار يورو (179.5 مليار دولار تقريباً).

ولا تشمل هذه الأرقام الفوائد الأشمل والأطول أجلاً للهجرة، لاسيما المساهمات الكبيرة التي يقدمها المهاجرون المهرة في الابتكار وتكوين الثروة.

 

المهاجرون أكثر نجاحاً من غيرهم في المشروعات الخاصة

الهجرة أمرٌ محفوف بالمخاطر ولذلك يخاطر المهاجرين كي يصبحوا من أصحاب الريادة والمشروعات. وفي المملكة المتحدة، يكون المهاجرون أكثر احتمالاً بمرتين لبدء مشروعاتهم الخاصة، مقارنةً بنظرائهم من البريطانيين المولودين ببريطانيا.

وفي الولايات المتحدة، أسَّس المهاجرين نحو 30% من كل الشركات، مع أنَّهم لا يمثلون سوى 14% من السكان. ويميل المهاجرون إلى أن يكونوا ناجحين في مثل تلك المشروعات أكثر من غيرهم. إذ أسَّس المهاجرون أكثر من نصف شركات «اليونيكورنس» (الشركات الناشئة التي تقدَّر قيمتها بأكثر من مليار دولار) في الولايات المتحدة، وكذلك 40% من الشركات الـ 500 الأكثر نجاحاً ضمن تصنيف مجلة Fortune الأميركية.

 

في الولايات المتحدة، تبلغ فرص بدء المهاجرين مشروعاتهم الخاصة، أو الحصول على براءة اختراع  لابتكارٍ ما، أو الفوز بجائزة نوبل أو جائزة أوسكار، مرتين إلى 3 مرات فرص الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة. مما يجعلهم مساهمين مهمين في الاقتصادات المبتكرة.

وقد تكون الهجرة حلقة مثمرة. فالمهاجرون مساهمون أوَّليون مهمون في الاقتصادات المبتكرة والحيوية. وهذه البلدان المتقدمة، بفعل قدرتها على الوصول للمواهب العالمية، تنمو وتكون قادرة على جذب المزيد من المهاجرين.

عادةً ما يتلقى المهاجرون تعليمهم في بلاد أخرى، إضافة إلى أنَّهم يتركون بلد الهجرة قبل الوصول إلى سن التقاعد. وهذا يعني أنَّهم يدفعون ضرائب أكثر بكثير مما يتلقونه من مزايا. ويرتبط وجودهم عادةً بارتفاع الأجور، وزيادة الإنتاجية، وانخفاض البطالة، وارتفاع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة.

 

لكن ذلك يوسع الهوة الاقتصادية بين الدول

هناك فجوة متنامية بين الأثر الاقتصادي الإيجابي للهجرة والتصورات السلبية المتزايدة عنها؛ وذلك لأنَّ الفوائد لا يتم تقاسمها بالتساوي؛ إذ دفعت الهجرة المناطق الأكثر إنتاجية إلى تحقيق المزيد من التقدم، ما زاد من اتساع الفوارق بين المناطق المختلفة.

فمن الصعب الحديث بصورة إيجابية عن الهجرة وعن الفوائد التي تحققها لوادي السيليكون (مكان يضم العديد من الشركات الرقمية الناشئة والشهيرة) أمام عاملِ مصنعٍ فُصِل من وظيفته  في ولاية أخرى، أو الحديث عن الفوائد التي تعود من الهجرة على المدن الحيوية، مثل لندن، أمام أشخاص لا يستطيعون تحمُّل تكلفة العيش فيها.

 

ورغم ذلك فالمواقف تجاه المهاجرين تبقى متباينة

ووجدت الدراسة التي جرت بالشراكة بين مجموعة Citigroup وكلية مارتن بجامعة معهد أوكسفورد، أنَّ المواقف تجاه الهجرة غالباً ما تكون منفصلة عن أثرها الفعلي. فالبلدان التي تضم بعض أدنى معدلات الأشخاص المولودين بالخارج، مثل بولندا والمجر (أقل من 2% في كلٍ منهما)، هي الأكثر معارضة للهجرة ومطالبة إيقاف تدفق المهاجرين مع أنَّ كلا البلدين لديه معدلات خصوبة منخفضة، ومعدلات شيخوخة مرتفعة، ونقص متزايد في العمالة.

وفي داخل الدول نفسها، يكون هناك في كثير من الأحيان علاقة عكسية بين حجم الهجرة والمشاعر المحلية المطالبة إيقاف تدفق المهاجرين . فمدن مثل لندن أو ملبورن، حيث أكثر من ثلث السكان مولودون في الخارج، ترحّب بالمهاجرين أكثر من بعض المناطق الريفية والبلدات الصغيرة التي يُشكِّل فيها المهاجرون نسبة صغيرة من السكان.

 

إيقاف تدفق المهاجرين سيؤدي لإبطاء النمو

وينبع التركيز السياسي المتزايد على الهجرة من سببٍ مختلف؛ إذ يستخدم بعض السياسيين الزيادة في الأرقام، أو أمثلة فردية على ارتكاب جرائم، لحشد الدعم.

وجزء كبير من الطرح الذي يُقدِّمونه يسعى للبناء على استياء أوسع نطاقاً متعلق بتوقف نمو الدخل والتقشف. وفي حين أنَّه يجب الاستماع إلى هذه المخاوف ومعالجتها، فإنَّ الحد من الهجرة ليس هو الحل.

تشير الدراسة إلى أنَّ المزيد من القيود على الهجرة لن يؤدي إلا إلى إبطاء النمو، وتفاقم عدم المساواة، وتقويض التماسك الاجتماعي، وتؤدي إلى حلقة مفرغة من القيود الإضافية على المهاجرين. إنَّ السباق الذي يخوضه السياسيون نحو الهاوية حول مَن منهم الأكثر صرامة في التعامل مع الهجرة سيضر الجميع.