النكبة 73 لن ننسى ..

هاني المرزوق //

منذ ثلاثة وسبعين عاما احتل “يهود الغرب” الأراضي الفلسطينية عام 1948، إثر ارتكاب عشرات المجازر التي راح ضحيتها عشرات آلاف الفلسطينيين، وهجر فيه مئات آلاف آخرين إلى دول الجوار.

وجراء المجازر سقطت 213 بلدة، وتم إخراج زهاء 413.000 عربي فلسطيني من ديارهم، قبل انسحاب القوات البريطانية، فيما هُجرت 60% من القرى والبلدات في المرحلة التالية، أدت إلى ترحيل 65% من الشعب الفليسطيني، بينما طرد الجيش الإسرائيلي أهالي 122 قرية، طرداً مباشراً، وتم إخراج أهالي 250 قرية عبر هجمات عسكرية، وأهالي 50 قرية أخرى تحت ضغط هجوم قادم، و12 قرية بتخويف الأهالي من المذابح المتوقعة، و38 قرية بسبب الخوف من هجوم إسرائيلي مسلح.

النكبة تجسّد أول موجة تهجير وإبعاد قصري للفلسطينيين من أرضهم. بالنسبة للفلسطينيين تمثل النكبة مصادرة الأراضي وتهجير وطرد 800000 فلسطيني من منازلهم، وقد أصبح عدد هؤلاء اللاجئين وأولادهم وأحفادهم بعد 73 عام من النكبة أكثر من 7 ملايين لاجئ. ولا يزال معظمهم يعيش في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي البلدان العربية المجاورة.

تبدأ حكاية النكبة منذ عام 1917 عندما منح الانتداب البريطاني وطنا قوميا لليهود في فلسطين وما عرف بوعد بلفور، وعد ما لا يملك لمن لا يستحق، وعمل الانتداب على مدار 28 عاما على تسهيل إنشاء هذه الدولة، فسنت القوانين لمصلحة اليهود وأعطتهم امتيازات لامتلاك الأراضي، في الوقت ذاته ضيقت على الفلاحين العرب وفرضت ضرائب باهظة عليهم.

تشير إحصائيات الوكالة اليهودية أن عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني بلغ 56 ألفا، أي 9% من مجموع السكان، وكان غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية، وما إن انتهى الانتداب البريطاني عام 1948 حتى أصبح عددهم 605 آلاف يهودي، نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا، رغم معارضة الأهالي ومقاومتهم وثوراتهم، حتى أصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة.

في عام 1947 كانت الطامة الكبرى على العرب عندما نجح قرار التقسيم لكي يوصي بإنشاء دولة يهودية على 54% من أرض فلسطين، ودولة عربية على بقية الأرض، مع تدويل القدس تحت إدارة منفصلة، وقضى هذا القرار بأن تفرض أقلية أجنبية مهاجرة سيادتها على أكثر من نصف فلسطين وتقيم فيها دولة عبرية نصف سكانها عرب، وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة رعايا دولة أجنبية غازية.

الجديد في الأمر، أن ذكرى النكبة الفلسطينية تمر والحال الفلسطينية والعربية مختلفة عن الحال التي سادت في السنوات الماضية، حيث يشعر الفلسطينيون اليوم، واللاجئون منهم على وجه الخصوص، أن قضيتهم الوطنية باتت الآن أمام ظروف مغايرة لما ساد طوال سنوات التفاوض التي جرت منذ انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 والى حين ولادة هذه الحراكات والتحولات المتسارعة والمبشرة في العالم العربي، والتي ترافق معها أيضاً وضع حد للانقسام الفلسطيني.

وفي سياق ذلك، يحيي الفلسطينيون الذكرى الثالثة والسبعين لنكبة فلسطين، بالرغم من سيل الضغوط والمشاريع الخارجية الهادفة لطمس حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإهالة التراب عليه لدفنه إلى الأبد، وتكريس الحلول الاستئصالية له عبر توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، وتهجير أعداد كبيرة منهم إلى جهات المعمورة الأربع …

فالذي جرى منذ افتتاح مؤتمر مدريد في أكتوبر1991، إلى الآن قام على قاعدة الفصل بين قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم وبين قرار الأمم المتحدة الضامن لهذه الحقوق، واستمرت المفاوضات في كواليسها السرية وهي تنحو باتجاه الرؤية الأميركية الإسرائيلية الرافضة لحق العودة، والساعية باتجاه تذويب هذا الحق وشطبه نهائياً على قاعدة حلول التوطين والتهجير إلى أصقاع المعمورة الأربعة.

ومع هذا، فقد أيقظت التحولات الجارية في عالمنا العربي، ومن قبلها انتفاضات الشعب الفلسطيني المتتالية، وصموده العنيد في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، حلم العودة الفلسطيني من سباته القسري، وأظهرت المخزون الهائل عنده في فلسطين ومجتمع اللاجئين منه على وجه الخصوص، ومن الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الدفاع عن أرضه وحقوقه الوطنية، وفي مقدمة هذه الحقوق حقه في العودة إلى أرض الوطن، وأن لا شيء يمكن أن يمر من وراء ظهره، وأن لا شيء لا يمكن أن يسد في وجهه طريق الحرية والخلاص، طريق عودة اللاجئين إلى أرض الوطن الفلسطيني.

ولن تنسى الشعوب العربية قضيتها المحورية “قضية فلسطين”، حتى وإن كانت الآن ـ في شاغل الحرية وامتلاك المصير. وإذا امتلك الشعب العربي مصيره بيده فالعودة حتمية إذن !!

.