التحوّل السياسي الأمريكي بالموافقة على ضم الجولان لإسرائيل

.

صالح عبدالله.

.

لم يكن يوماً عادياً على الجمعية العامة للأمم المتحدة لكون الجلسة التي عُقدت في هذا التاريخ تضمّنت أكثر المواضيع حساسيةً في منطقة الشرق الأوسط، وهو موضوع “الجولان السوري المحتل” الذي تحتله “إسرائيل” بأغلبيته منذ عام 1967م وضمّت أراضيه في العام 1981م دون أن يحظى تحرّكها بأي اعتراف دولي، واليوم تعاد الكرّة بعد مضي 51 عاماً على احتلال هذا الجزء من سوريا وتُعرض سيادة هذه المنطقة على أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة ليصوتوا بأغلبية ساحقة لمصلحة سيادة سوريا على الجولان معتبرين أن كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي فيه باطلة ولاغية.

كل ما تقدّم لم يكن مستغرباً وعليه استمر الصراع السوري – الإسرائيلي، ولكن جاءت المفاجأة عبر أمريكا التي اعترضت لأول مرة على مسودة قرار سنوي بالأمم المتحدة يدعو “إسرائيل” لإلغاء سلطتها على هضبة الجولان المحتلة، الأمر الذي قوبل بإشادة من مسؤولين إسرائيليين، وهذا ما يدفعنا للتساؤل ماذا تضمر واشنطن خلف هذا الاعتراض وماذا تريد من هذا التحرك؟، وماذا فعلت تل أبيب حتى تمكّنت من دفع واشنطن لاتخاذ مثل هذا القرار ولأول مرة؟، وهل لهذا التصويت الأمريكي السلبي تداعيات سياسية وقانونية على الجانب السوري والنظام الصهيوني؟.

الأهمية الاستراتيجية للجولان

يشكّل الجولان خاصرة رخوة في الجنوب السوري نظراً لخضوعه للاحتلال الصهيوني الذي دأب على الاعتداء على الأراضي السورية عبر هذه المنطقة التي تبعد عن دمشق فقط 70 كم، ومع بدء الأزمة السورية استغل كيان الاحتلال نقطة الضعف السورية هذه وشنّ مئات الغارات الجوية على الداخل السوري عبر الجولان فضلاً عن تحويله إلى نقطة اتصال مع الجماعات الإرهابية المسلحة التي تلقّت كامل الدعم اللوجستي من “إسرائيل” عبر “الجولان المحتل” حتى أن الجرحى من هؤلاء المسلحين كان يتم نقلهم إلى داخل “إسرائيل” عبر هذه المنطقة، وبالتالي استطاعت “إسرائيل” أن تضغط على “دمشق” قدر الإمكان عبر “الجولان المحتل”. بالمختصر كانت مرتفعات الجولان هي النقطة المركزية لتدخل تل أبيب المباشر في الشؤون السورية لأغراض استراتيجية.

وزادت أهمية هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل وأصبحت أكثر حرصاً على الحفاظ عليها بعد أن أعلن الملك عبدالله الثاني منتصف شهر تشرين الأول عن إنهاء اتفاق أردني إسرائيلي كان يقضي بتأجير أراض أردنية إلى الجانب الإسرائيلي في منطقتي الباقورة والغمر اللتين استردتهما الأردن إبان توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين عام 1994، وهاتين المنطقتين لهما أهمية كبيرة لإسرائيل بسبب الموارد المائية التي تحتويهما والتربة الخصبة، ولهذا هدد وزير الزراعة الإسرائيلي “آوري ارئيل” بقطع المياه عن عمان.

من ناحية أخرى ، يُعرف الجولان المحتل بأنه أرض الموارد المائية والجبال والحقول الثلجية، ولذلك فإن الكيان الصهيوني حريص على عدم التفريط بهذه المنطقة بأي شكل من الأشكال.

على الجانب الأخر واضح أن الحكومة السورية لن تسمح للصهاينة بالبقاء هناك وستستعيد هذه المنطقة سلماً أو حرباً، وهذا ما جاء على لسان مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وأشار الجعفري إلى أن تصويت أمريكا لأول مرة، ضدّ تبني هذا القرار يمثل رسالة واضحة إلى العالم “بانتهاء الدور الذي تدعيه واشنطن بأنها راعية لعملية السلام في الشرق الأوسط”، بينما شكر مندوب إسرائيل داني دانون واشنطن على وقوفها “أخلاقياً” ضد المشروع قائلاً إن الخطر الحقيقي في المنطقة يأتي من حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ودعمها من قبل إيران، وذكر مندوب تل أبيب لدى المنظمة العالمية أن للجولان دوراً حساساً بالنسبة لأمن الدولة العبرية، مضيفاً: “إسرائيل لن تنسحب من الجولان والوقت حان للمجتمع الدولي لقبول ذلك”.

وفي ردّه على تصريحات داني دانون، شدد الجعفري على أن المندوب الإسرائيلي “عجز عن فهم الرسالة القانونية السياسية التي أرسلها هذا التصويت.. لا بل إنه ارتكب سلسلة أخطاء تفضح هشاشة فهم كيان الاحتلال”، وأشار الجعفري إلى أن الجولان المحتل فقد أهميته الاستراتيجية العسكرية في عهد الصواريخ والطائرات الحربية المتطورة، لكن هذه المنطقة على أي حال تابعة للأراضي السورية، وستعود إلى سوريا “شاءت إسرائيل أم أبت”.

الأقنعة الأمريكية

تصويت أمريكا لمصلحة الصهاينة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر انتهاكاً صارخاً لجميع المواثيق الدولية ويعلن هذا التصويت بشكل واضح نهاية عصر الأقنعة الأمريكية التي كانت تحاول أمريكا من خلالها إظهار نفسها على أنها تقود عملية السلام في الشرق الأوسط، أما الكيان الصهيوني الذي لا يتمتع بأي ثقة في الأمم المتحدة وعلى الرغم من أن القرار الذي تمّ تبنيه ضد هذا النظام لا يمكن المساومة فيه، إلا أن له تأثير قانوني وسياسي واقتصادي سلبي على تل أبيب، إن هذا القرار سيجعل الصهاينة “ينظر إليهم على أنهم عدوانيون وغير مهتمين بالمؤسسات الدولية وحقوق الدول الأخرى؛ وهذا سيلعب دوراً في العلاقة السياسية بين الدول مع إسرائيل، ولاسيما التعاون السياسي وتطبيع العلاقات مع حكام الدول العربية غير الدمى.

أن يصوت 153 عضواً لمصلحة سيادة سوريا على الجولان ويمتنع اثنان يشير إلى خسارة سياسية وقانونية وعزلة للكيان الإسرائيلي وأمريكا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا سيلحق الضرر بمصداقية واشنطن لا محالة وسيوجه انتقادات لاذعة لإدارة ترامب حيث لن يتم قبول مثل هذه السياسات من قبل الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي الذي يملك الأغلبية حالياً.