الأوربيون حائرون .. نقبل المهاجرين أم نطردهم؟

محمد عبد المنعم /

عادت الهجرة غير النظامية لتحتل أولويات الاتحاد الأوروبي، بعدما شهد عام 2022 ارتفاعاً حاداً في أعداد المهاجرين إلى دول التكتل، حيث سُجلت 330 ألف عملية عبور غير شرعية بحسب وكالة فرونتكس وإحصائيات رسمية من الدول الأعضاء.

وهذا العدد هو الأكبر منذ أزمة عام 2015.

بناء جدران وأسلاك شائكة

خلال القمة الاستثنائية التي انعقدت في بروكسل قال المستشار النمساوي، كارل نيهامر، إن دول الاتحاد بحاجة إلى كبح الهجرة غير الشرعية. وتدعم حكومة نيهامر منذ فترة مسعى، لا يزال غير ناجح، من أجل تخصيص أموال أوروبية بهدف بناء سياج عند الحدود البلغارية-التركية ووقف تدفق المهاجرين.

وكرر نيهامر دعوته للحصول على الأموال المطلوبة لبناء السياج ولكنها لاقت دعماً محدوداً من قبل الزعماء الأوروبيين الآخرين، بينما قال كبير الدبلوماسيين الأوروبيين، جوزيب بوريل، إن المهاجرين يتركون بلدانهم لأن لا مستقبل لهم فيها ولا سلام ولا استقرار.

من جهته انتقد رئيس وزراء اللوكسمبروغ، كزافييه بيتيل، المطلب النمساوي وقال إن الأمر يتعلق اليوم ببناء سياج على الحدود البلغارية-التركية ولكن ذلك لن يكون كافياً.

وتابع بيتيل قائلاً: “هذا يعني أنه سيكون هناك مطالب أخرى لبناء سياجات أخرى وجدران أخرى مجدداً.. هل يمكننا إذاً أن نستنتج أننا نريد تحويل أوروبا إلى قلعة؟”

“تشدد مع الدول التي لا تتعاون”

من جهة أخرى، قال مسؤولون أوروبيون إن هناك إجماعاً بين الدول الأعضاء على البنود الصارمة التي تهدد بتعليق المساعدات والتجارة المعفاة من الرسوم الجمركية والحصول على التأشيرات للدول التي ترفض استعادة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم.

وجاء في البيان النهائي للقمة إن التكتل “قد يستخدم جميع السياسات والأدوات الأوروبية، بما في ذلك الدبلوماسية والتنموية والتجارية، والتأشيرات، فضلاً عن الهجرة القانونية” من أجل إجبار الدول على استعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم. 

والحق في ربط المساعدات الخارجية بالتعاون في مجال الهجرة موجود بالفعل منذ أكثر من عقدين بموجب اتفاقية كوتونو بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ، ولكن لم يتم استخدامه مطلقاً.

وتلزم  اتفاقية كوتونو البلدان الموقعة عليها على استعادة ما يسمى بـ”المهاجرين الاقتصاديين” والذين فشلوا في الحصول على اللجوء.

إعادة المزيد من الأشخاص الذين لا يحق لهم طلب اللجوء

اجتمع وزراء الهجرة في الاتحاد الأوروبي لبحث قيود التأشيرات وتحسين التنسيق داخل التكتل حتى يتمكنوا من إعادة المزيد من الأشخاص الذين لا يحق لهم طلب اللجوء في أوروبا إلى بلدانهم الأصلية، بما في ذلك العراق.

وبعد ثلاث سنوات من موافقة الاتحاد الأوروبي، المؤلف من 27 دولة، على فرض قيود على تأشيرات الدخول لدول يُعتقد أنها لا تتعاون في عملية استعادة مواطنيها، تمت معاقبة جامبيا رسميا فقط.

واقترحت المفوضية الأوروبية خطوات مماثلة مع العراق والسنغال وبنغلادش، إلا أن مسؤولين اثنين بالاتحاد الأوروبي قالا إن التعاون مع داكا بشأن عودة مواطنيها شهد تحسنا منذ ذلك الحين.

ومع ذلك، بلغ المعدل الإجمالي لعمليات الإعادة الفعلية في الاتحاد الأوروبي 21 بالمئة في عام 2021، وفقا لبيانات “يوروستات”، وهي أحدث بيانات متاحة.

وقال أحد المسؤولين “هذا مستوى تعتبره الدول الأعضاء منخفضا بشكل غير مقبول”.

والهجرة موضوع حساس للغاية من الناحية السياسية في الاتحاد حيث تفضل الدول الأعضاء مناقشة تسريع عمليات الإعادة وكذلك الحد من الهجرة غير النظامية في المقام الأول، بدلا من معالجة الخلافات الحادة حول كيفية تقاسم مهمة رعاية الوافدين إلى أوروبا الحاصلين على حق اللجوء.

والضغوط من وزراء الهجرة لمعاقبة بعض البلدان بفرض قيود على التأشيرات قد تصدى لها في السابق وزراء الخارجية والتنمية في الاتحاد الأوروبي، أو فشلت بسبب تضارب المصالح في العديد من دول التكتل.

وبينما تحتج بشدة دول، مثل النمسا والمجر، على استقبال مهاجرين غير شرعيين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة، فإن ألمانيا من بين الدول التي تسعى لفتح سوق العمل أمام العاملين الذين تشتد الحاجة إليهم من خارج التكتل.

فنلندا على العكس

بسبب ما تعانيه فنلندا من شيخوخة في الهرم السكاني وانخفاض نسبة الولادات، أضحى هذا البلد في حاجة ماسة لاستقبال ثلاثة أضعاف عدد المهاجرين الذين يستقبلهم حالياً، وذلك بهدف تعزيز النمو وتحسين إيرادات المالية العمومية، بحسب معهد “إي تي أل إيه” المستقل للبحوث الاقتصادية.

وفي تقرير جديد حمل عنوان “الهجرة وملاءمة قوة العمل وآثار التقييم الاقتصادي”، تظهر حاجة فنلندا إلى قوة عمل جديدة لزيادة الإيرادات الضريبية وتأمين استمرارية الرعاية الاجتماعية.

وحذر التقرير من أن نسبة القوة العاملة في البلاد ستشهد هبوطا بنسبة 20 بالمئة بحلول سنة 2070، إذا حافظت فنلندا على مستوى قبول أعداد المهاجرين الحالي سنويا، وهو بمعدل 15 ألف مهاجر.

ولسد فجوة العمالة، لا تحتاج فنلندا فقط المهاجرين من ذوي الكفاءات العالية، وإنما تحتاج كذلك عمالاً بمستوى تعليمي أقل، سيكونون بدورهم مفتاحا للحفاظ على سير الخدمات الأساسية.

ويتوقع أن يكون ملف الهجرة محل نقاش رئيسي خلال الفترة التي تسبق الانتخابات التشريعية في شهر نيسان/أبريل المقبل. وعلى عكس معظم الأحزاب السياسية الكبرى الأخرى، سيسمح حزب الفنلنديين القومي والشعبوي (الثالث حاليا وفق استطلاعات الرأي بنسبة 18بالمئة)، للعمال من ذوي الكفاءات من الاتحاد الأوروبي بدخول فنلندا.

.