نهاية أسطورة السلم الاجتماعي في الاقتصاد الألماني
كان من أهم صفات المجتمع الألماني، وهي أيضا عنصر قوته، هي طريقة حل الخلافات الداخلية الاقتصادية، فهي إجمالا تحل بالتراضي، ولا تشكل الإضرابات والمظاهرات وتعطيل العمل سوى استثناءات لا تدوم طويلا، اذ تتفاوض الحكومة مع المطالبين أو أرباب العمل مع النقابات ويتوصلون بسرعة لاتفاقات.
هذا النموذج من التعاطي في الخلاف يعتبر نقيض ما يحصل عادة في فرنسا، وهو ربما أحد أهم أسباب نجاح الاقتصاد الألماني، وإذا قمنا بالمقارنة مع فرنسا فإن عدد أيام الإضراب في ألمانيا تصل إلى 18 يوم لكل ألف عامل، بينما تصل إلى 118 لكل ألف عامل في فرنسا.
ويبدو أن الأوضاع اختلفت منذ مجيء أولاف شولتس مع تحالفه مع الخضر والليبراليين إلى الحكم، إذ وقعت تغييرات كبيرة في السياسة الاقتصادية الألمانية، وكان الخضر أقوى المدافعين عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة، بالرغم من انه الأكثر تلويثا للمناخ، وتمديد عدد سنوات استعمال البنزين للسيارات الفخمة، وعسكرة الميزانية الألمانية من خلال تفضيل السلاح الأمريكي والإسرائيلي على الأوروبي، على الأقل في مجال الدفاع الجوي، واعتماد خطوات حمائية اقتصادية تجاه الصين … الخ.
أضف إلى ذلك، شهدت ألمانيا، على مدى العام الماضي، موجة من الإضرابات لم تعهدها حسب بعض الخبراء منذ عقود، لا بل ويقول أحدهم لم تشهد ألمانيا ذلك منذ 1905، كما اتسم بعض هذه الإضرابات بالعنف، على عكس العادة، وهو ما نشاهده مع إضرابات المزارعين مثلا والسكك الحديدية.
تتزامن هذه الإضرابات مع انخفاض في النمو الاقتصادي الألماني وتخلف اقتصادي في مجالات كانت ألمانيا تتمتع فيها بتفوق نسبي مثل صناعات السيارات، الكيمياء والطاقة.
كافة المؤشرات تؤكد أن النموذج الألماني الاقتصادي والاجتماعي، الذي حسدتها عليه كل دول العالم، يمر بمرحلة صعبة قد تدوم بعض الوقت، وأن أقصى اليمين أصبح ربما الأقوى في البلاد.
.