سوريا تتحول
هشام عبد الخالق
تحليل جديد للكاتب سيفي بارئيل، يقول إن هذه المعركة على الرغم من بشاعتها حتى الآن تعد شيئًا لا يُذكر أمام الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب المشتعلة منذ 2011، ولكن إدلب أصبحت ليست معركة محلية فقط، بل تطور الأمر لتصبح صراعًا دوليًا يشمل سوريا وتركيا وروسيا.
ويرى الكاتب في تحليله، أن إدلب هي آخر معاقل المعارضة الرئيسية، والسيطرة عليها يضمن نجاح حملة الرئيس السوري بشار الأسد في استعادة السيطرة على البلاد، وعلى الرغم من أن الحملة لاستعادة إدلب لم تبدأ بشكل رسمي بعد، إلا أن قوات الجيش السوري استولت في الأيام القليلة الماضية على عدة قرى، في الوقت الذي تقصف فيه الطائرات الروسية أماكن المعارضة بشكل مكثف.
ولكن، بحسب الكاتب، فإن كل هذا لا يزال مجرد إحماء لما قد يحدث لاحقًا، وهي طريقة تهدف للضغط على المعارضة، وتركيا أيضًا، لاختيار طريق المفاوضات بدلًا من القتل الجماعي. وفي حالة استمرار المعارك، من المتوقع أن تدخل موجة جديدة من اللاجئين تركيا، والتي يعيش فيها 3.5 مليون لاجئ بالفعل.
اتفقت تركيا وروسيا في سبتمبر 2018 على أن تقوم تركيا بطرد المعارضة المسلحة وتطهر المنطقة من الأسلحة الثقيلة، وهو ما يعني بشكل فعلي تسليم المنطقة لسيطرة الأسد، أو على الأقل تحويلها إلى منطقة أمنية تحت إشراف تركي وروسي. لكن تركيا فشلت في مهمتها، ورفضت المعارضة إلقاء أسلحتها.
وتؤدي الحملة العسكرية على إدلب لتعطيل خطط روسيا لصياغة دستور جديد في سوريا، وإجراء الانتخابات، وتحقيق الاستقرار في الحكومة والبدء في إعادة تأهيل البلاد.
ولا تنوي روسيا، بحسب الكاتب، أن تعيد سوريا إلى سيطرة الأسد ببساطة، فهي ترى سوريا كقوة ضغط لتعزيز قبضتها في الشرق الأوسط. وهذا يشمل بناء جسور من الثقة مع السعودية والإمارات، وإقامة تحالف اقتصادي مع مصر، والتخلص من العقوبات الأمريكية والأوروبية، وتعزيز مكانتها في العالم.
لكن هذه الطموحات الروسية لا تتوافق مع تطلعات إيران. حيث ترى إيران سوريا ليست كموقع استراتيجي يحافظ على نفوذها في لبنان فقط، بل أيضًا كمحطة إقليمية لموازنة طموحات السعودية. وسيفتح هذا الموقع البحر المتوسط أمام إيران ويكمل التحالفات التي أقامتها مع العراق وتركيا. وترى عدة دول هذا بمثابة تهديد استراتيجي لها منها إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا.
ويقول الكاتب، إن الاشتباكات المحلية الأخيرة بين الميليشيات الموالية لإيران والميليشيات التي ترعاها روسيا تشير إلى أن روسيا تعمل على إحباط التهديد الإيراني. وفي ظاهر الأمر، قد تبدو هذه بمثابة حوادث محلية، لكن على نطاق أوسع، تقوم روسيا بتدريب وتسليح الميليشيات المحلية من خلال شركات روسية خاصة، كما أن روسيا طلبت من الأسد طرد الضباط والجنود الموالين لإيران في الوقت الذي يتولى ضباط روس قيادة بعض وحدات الجيش السوري.
وكان الرفض الروسي لإيران لشراء صواريخ “S-400” بمثابة صفعة على وجه النظام في طهران، وأوصل رسالة بأن روسيا لن تقف بجانبها إذا هاجمت واشنطن أو تل أبيب أو أي دولة طهران، وأن من مصلحة روسيا إبقاء إيران في حالة العزلة التي تواجهها.
وبحسب الكاتب، فإن المراقبين الغربيين يؤيدون هذا الافتراض، ويقولون إن دعم روسيا لقرار إيران بتخفيض التزامها بالاتفاقية النووية ينبع من رغبتها في مواصلة التوترات بين إيران والولايات المتحدة، كجزء من لعبتها الاستراتيجية بصفتها مزود أوروبا الحصري بالنفط بعد العقوبات المفروضة على إيران.
ويرى الكاتب، أنه إذا رفعت العقوبات المفروضة على إيران بشأن تصدير النفط، فإن إيران ستصبح لاعبًا مؤثرًا في أسواق النفط الأوروبية وقد تخسر روسيا الكثير من الأسواق الأوروبية التي تزودها بالنفط.
ويقول، إن توافق الرؤى الروسية – الأمريكية – الإسرائيلية بشأن إيران، دفع الثلاث دول لعقد قمة على مستوى المستشارين الأمنيين، وبحسب مصادر غير مؤكدة، تتوقع روسيا من الولايات المتحدة الاعتراف بالأسد في سوريا ورفع العقوبات. وفي المقابل، ستعمل روسيا على طرد إيران من سوريا.
وعلى الرغم من أن القمة قد تبدو في ظاهرها اعتيادية لمناقشة قضايا وتطورات المنطقة، إلا أنها قد تنقل إلى إيران والمنطقة أن المحور الروسي الأمريكي الإسرائيلي يمكن أن يكون هو محور صياغة خريطة الطريق الجديدة في الشرق الأوسط، بحسب الكاتب.
لكن النتائج العسكرية والدبلوماسية الفورية قد لا تكون ممكنة، حيث أوضح وزير الخارجية سيرجي لافروف مؤخرًا أن توقع قيام روسيا بضرب القوات الإيرانية في سوريا “غير واقعي”. وفشلت روسيا أيضًا في الوفاء بوعدها بإبقاء القوات الإيرانية على بعد أكثر من 80 كيلومتراً من حدود إسرائيل في مرتفعات الجولان، كما أنه توجد شكوك حول ما إذا كان بإمكانها جعل إيران تنسحب من سوريا حاليًا.
ويقول الكاتب، إن الحل قد يكون في يد بشار الأسد لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، فهو الذي دعاهم للدخول، وسوف تجد طهران من الصعب عليها البقاء في سوريا إذا لم يكن مرحبًا بها هناك. وفي المقابل، قد يحصل الأسد على اعتراف أمريكي بنظامه ووعد إسرائيلي بعدم مهاجمة سوريا بعد رحيل القوات الإيرانية، وقد يحصل أيضًا على التزام سعودي بتمويل إعادة بناء سوريا مع الدعم الروسي، وهذا أكثر بكثير مما قد تستطيع إيران توفيره.
.