روح الإرهاب
ـ الإرهاب “فيروس” أصاب العالم بالهوس الأمني
ـ جميعنا إرهابيون والشر يسكننا
ـ قواعد اللعبة تغيرت وكل نظام مهيمن يفرز إرهاباً
ـ الإرهاب هو الحرب العالمية الرابعة التي لا يمكن تجنبها
ـ الإرهاب أحد الأعراض الجانبية للعولمة
سميرة سليمان
الإرهاب الذي يضرب العالم، جعلنا نبحث عن كتابات الغرب التي تناولت الأمر، وكيف يرون الإسلام، وهل هو مقترن بالفعل بالإرهاب. توقفنا عند كتاب الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار “روح الإرهاب” الصادر عن “سلسة الفكر” التابعة للهيئة العامة للكتاب ومن ترجمة الناقد السوري بدر الدين عرودكي، وهو مجموعة مقالات نُشرت من قبل في صحيفة “اللوموند” الفرنسية.
وللحديث عن الإرهاب ينطلق عالم الاجتماع من حادثة 11 سبتمبر وتفجير البرجين حيث يصفها بأنها “أم الأحداث”.
في البداية يرى بورديار أننا جميعا إرهابيون.حيث يقول أن “المخيلة الإرهابية تسكننا جميعا دون أن نعرف”، بل ويذهب إلي أننا جميعا بدون استثناء ربما نكون قد حلمنا بما حدث من تفجير برجي التجارة العالميين فيما عرف بأحداث 11 سبتمبر، “لا يمكن لأحد ألا يحلم بتدمير أية قوة صارت علي هذه الدرجة من الهيمنة”، ويزيد أن الإرهابيون الذين فجروا البرجين هم من فعلوا، لكننا نحن الذين أردنا ذلك.
المؤلف لا يصورنا علي أننا أشرار بالفطرة بل يوضح الأسباب التي تدفعنا دون أن ندري لنكون أشرارا ولتتولد لدينا الرغبة الطبيعية في تدمير الولايات المتحدة الأمريكية فيقول: “لا حاجة لغريزة موت أو تدمير، إذ بصورة منطقية جدا، يستثير تضخم القوة الإرادة لتدميرها”.
ولمزيد من التوضيح يقول بودريار: الإرهاب شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة، وأن تجمع كل الوظائف والتكنولوجيا والفكر والأوراق في يد نظام واحد، فإنه بذلك يرغم الآخر علي تغيير قواعد اللعبة، بل ويفرز خصمه، وفي إطار هذا التحليل يؤكد المؤلف أن ما حدث في 11 سبتمبر ليس صدمة حضارات ولا صدمة أديان، بل ويتجاوز الإسلام وأمريكا، ويصدمنا أكثر حينما يقول: “الحرب تلازم كل نظام عالمي وكل سيطرة مهيمنة، ولو كان الإسلام يسيطر علي العالم لوقف الإرهاب ضد الإسلام”!.
ويضيف: عندما يكون الوضع محتكرا على هذا النحو من قبل قوة عالمية، عندما نواجه هذا التكثيف المذهل لكل الوظائف من قبل الآلية التكنولوجية والفكر الواحد، فما هو الطريق الآخر المتاح سوى طريق التحويل الإرهابي للوضع؟ إنه النظام ذاته الذي أوجد الشروط الموضوعية لهذا الإجراء المعاكس العنيف، فهو إذ جمع الأوراق بأكملها بين يديه يُرغم الآخر على تغيير قواعد اللعبة. والقواعد الجديدة شرسة لأن الرهان شرس.
الإرهاب وفق عالم الاجتماع الفرنسي كالفيروس في كل مكان، هنك انتشار عالمي للإرهاب الذي بات شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة مستعداً في كل مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج، لم يعد هناك أية حدود فاصلة تسمح لمحاصرته فهو في قلب هذه الثقافة التي تحاربه.
من هنا، يمكن الحديث، وفقا لبودريار، عن حرب عالميَّة رابعة وليست ثالثة، ذلك أنَّ محورها الرئيس هو العولمة.
فالحربان العالميتان الأوليان تعكسان الصورة الكلاسيكيَّة للحرب. الأولى وضعت حدّاً لتفوق أوروبا وللعهد الاستعماري، والثانية حطَّمت النازيَّة، والثالثة وقعت تحت ما يُسمَّى الحرب الباردة، وانتهت بالقضاء على الشيوعيَّة.
وكلُّ حرب من هذه الحروب قادتنا إلى وضع عالمي جديد. أمَّا الحرب الجديدة فيعتقد جان بودريار أنَّها أصبحت شاملة، بحيث لم يعد بإمكان أحد الفرار منها أو تجنّبها. إنَّها في قلب هذا النظام العالمي الجديد.
الإرهاب لا أخلاقي، وتكتيك النموذج الإرهابي يتمثل في استثارة طفرة من الواقع وجعل النظام ينهار تحتها، ولذلك فإن كل القوة المرئية لا تستطيع شيئاً ضد الموت الزهيد لكنه الرمزي لبعض الأفراد.
إرهاب جديد
علينا أن ننتبه –وفقاً لتحليل الفرنسي بورديار – إلى أن إرهابا جديداً قد ولد، شكل من الفعل الجديد الذي يمارس اللعبة ويستحوذ على قواعدها كي يتمكن من التشويش عليها. لم يقتصر الأمر على أن هؤلاء الناس لا يناضلون بأسلحة متكافئة ما داموا يراهنون على موتهم، وإنما استحوذوا على كافة أسلحة القوة المهيمنة.
المال والمضاربات في البورصة، التقنيات المعلوماتية وتقنيات الطيران، وزيادة في الحيلة، فقد استخدموا شئون الحياة اليومية الأمريكية المبتذلة كغطاء، ينامون في الضواحي، يقرأون ويدرسون في أجواء عائلية قبل أن يستيقظوا ذات يوم كقنابل موقوتة. إن السيطرة التي لا تشوبها شائبة على هذه السرية هي إرهابية لأنها باتت تثير الشك في أي فرد: ألم يصبح أي إنسان مسالم إرهابياً بالقوة؟.
إذ تمكن هؤلاء في أن يعيشوا دون أن يفطن إليهم أحد، فإن كل واحد منا إذاً مجرم لا يفطن إليه أحد – وكل طائرة صارت هي الأخرى مشتبهة – وربما يتطابق ذلك مع شكل لا واع من الإجرام المحتمل، مقنع ومكبوت بعناية.
الإرهابيون مع امتلاكهم الأسلحة التي هي أسلحة النظام يمتلكون فضلاً عن ذلك سلاحاً حاسما: موتهم. ولو أنهم اكتفوا بمقاتلة النظم بأسلحته الخاصة به لقضي عليهم على الفور.
لكن السلاح الرمزي بامتياز – يقصد الموت – يضاعف الطاقة المدمرة إلى ما لا نهاية. الأمر لديهم ليس عقد عمل بل عهد وواجب وتضحية. و”انتحارهم” لا يعتبر بطولة فردية، بل هو فعل قرباني جماعي.
ويؤكد بورديار أن الإرهاب الانتحاري كان هو إرهاب الفقراء، أما هذا الإرهاب فهو إرهاب الأغنياء. وهذا ما يخيفنا على وجه الخصوص، ذلك أنهم أصبحوا أغنياء فلديهم كل الوسائل.
الإرهاب والإسلام
كان المفكر الفرنسي وعالم الاجتماع جان بودريارمن المفكرين الذين توقفوا أمام مفهوم، “الإرهاب” بغية توضيحه أو ربما فكّ الارتباط الشرطي بينه وبين الإسلام. وهو الارتباط الذي حاول الغرب التسويق له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من أجل خلق صورة ذهنيَّة عن الإسلام بوصفه ديناً للعنف، ومن ثمَّ الإرهاب.
وكان هذا المفهوم تمهيداً لحديثه عن الحرب العالميَّة الرابعة.
يكتب جان بودريار: “الإرهاب شيء لا أخلاقي، والضربة الإرهابيَّة التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك، هذا التحدي الرمزي، لا أخلاقيَّة، وهي جواب عن عولمة هي نفسها لا أخلاقيَّة. وإذن فلنكن نحن أيضاً لا أخلاقيين، وإذا ما نحن أردنا أن نفهم شيئاً فإنَّه يتوجب علينا أن نمضي إلى ما وراء الخير والشر.
ولأنَّنا نجد أنفسنا لأوَّل مرَّة أمام حدث لا يتحدى الأخلاق فقط، وإنَّما كلَّ شكل للتفسير أو التحليل، فإنَّه يتحتَّم علينا أن نكتسب ذكاء الشر، لقد ظللنا نحن الأوروبيين نعتقد بنوع من السذاجة أنَّ تطوُّر الخير، وانتشاره في كل المجالات (العلوم، التكنولوجيا، الديمقراطيَّة، حقوق الإنسان)، يمكن أن يقود إلى هزيمة الشر. لا يبدو أنَّ هناك أحداً أدرك أنَّ الشرَّ والخير يتقدَّمان ويتطوَّران معاً، وفي الوقت نفسه، وبالحركة نفسها، وأنَّ انتصار أحدهما لا يؤدّي بالضرورة إلى هزيمة الآخر، بل إلى عكس ذلك تماماً”.
لقد حاولت وسائل الإعلام، بحسب بودريار، أن تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام، فالنظام العالمي، المتمثل في شبكة المصالح الرأسماليَّة العالميَّة، لا بدَّ أن يخلق لذاته عدواً محدَّد المعالم يستطيع من خلاله أن يحقق مصالحه، فكان هذا العدو هو الإرهاب، وكي ما يصبح محدَّد المعالم تمَّ لصقه بالإسلام.
في حين أنَّ هذا الارتباط غير حقيقي في جوهره، لأنَّ الإرهاب تمَّ توليده من داخل النظام ذاته ولم يأتِ من خارجه، “لا يتعلق الأمر بصدام الحضارات أو الأديان، كما يتعدَّى بكثير محاولة اختزاله في المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكيَّة والإسلام. صحيح أنَّ هناك تقابلاً بينهما، لكنَّه تقابل يكشف أنَّ العولمة تخوض صراعاً مع ذاتها”.
مع انمحاء الشيوعية والانتصار العالمي للقوة الليبرالية، انبثق عدو شبحي منتشرا في كل أنحاء العالم، عداء موجود في أعماق كل منا، والإسلام ليس إلا الجبهة المتحركة لتبلور هذا العداء، كما أن الإرهابيين يستخدمون أسلحة القتل التي صنعتها الولايات المتحدة إلي جانب سلاح الموت، فالرجال يتمنون الموت بقدر ما يتمني الأمريكيون الحياة، ولأن الانتحار في عقيدة الإرهابيين ليس بطولة فردية، بل هو فعل قرباني جماعي”.
وعن الحل، يجيب جان بودريار قائلاً: “ليس هناك حلٌّ في نظري لهذه الحالة القصوى، وعلى أيَّة حال، لا أعتقد أنَّ الحرب بهذه الكميَّة الهائلة من الأسلحة المدمّرة، وبهذا العدد المخيف من الجيوش، وبهذه الأخبار الكاذبة، وهذه الخطب المزيفة والمضحكة، قادرة على أن تقضي على الإرهاب وجذوره…”.
الهوس الأمني
يضع جان يده على المشكلة الكبرى التي يتركها الإرهاب، وتتمثل في أن كافة الاستراتيجيات الأمنية ليست إلا امتدادًا للإرهاب، وأن الانتصار الحقيقي للإرهاب يتمثل في أنه استطاع أن يُغرق الغرب كله في هوس أمني، أي في شكل مموه من الإرهاب المستمر، فالشبكة البوليسية على مستوى الكرة الأرضية هي على قدر من التوتر.
ويرى أن الإرهاب حرب ذاتية داخل جسد العولمة.. فالعولمة لم يعد لها عدو خارجي بعد الحرب الباردة، فتشكلت فيروسات ممرضة في خلاياها.. فمرض العولمة الداخلي هو عنفها حين تحتكر رواية الحقيقة وتنفي رواية الآخرين، باحتكارها للعلم والتكنولوجيا والمعلومات والسوق، ليتم من خلالها تعريف وحيد لا يقبل التنوع للثقافة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهذا هو حال الإرهابيين، الذين قد يدمرون أي هدف في أي وقت وأي مكان، ولا يمكن تحديدهم في بلد معين ولا طبقة ولا مهنة معينة، ويصعب توقع تنفيذ وقت ومكان ونوعية أهدافهم القادمة، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليهم.. إنهم أشباح ضد العولمة من داخل خلايا العولمة! فلا عدو خارج العولمة يمكن أن يردعها، وعندما لا يوجد لديك عدو خارجي ستضعف مقاومتك من الداخل وتتورط بأمراضك الداخلية.. الإرهاب هو من الأعراض الجانبية للعولمة!.
الإرهاب لا بنطوي في الأساس على معنى، ولا يمتلك هدفاً ولا يقاس بنتائجه الحقيقية. إنه يدفع الأشياء ببساطة إلى حدودها القصوى، إلى الذروة إنه يهيج وضعاً ما .
.