حزب الخضر: انحراف عن المبادئ
“الغاية تبرر الوسيلة”..
محمد عبد المنعم /
كان حزب الخضر، أحد الأضلاع الثلاثة للحكومة في ألمانيا، يعتنق مبادئ الطاقة النظيفة وعدم إرسال أسلحة ثقيلة إلى مناطق النزاعات، فكيف غير الحزب مبادئه تماماً؟ وما تأثير ذلك على أوروبا والعالم؟
كانت نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في ألمانيا، في سبتمبر/أيلول 2021، قد نتج عنها فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالمركز الأول، بينما حل حزب الخضر ثالثاً، والحزب الديمقراطي الحر رابعاً، فشكلت الأحزاب الثلاثة ائتلافاً حكومياً برئاسة أولاف شولتز، الذي تولى المستشارية خلفاً لأنجيلا ميركل. وبدأت الحكومة الجديدة عملها رسمياً منذ ديسمبر/كانون الأول 2021.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”، لتشهد الساحة السياسية الألمانية تحولاً جذرياً في مواقف أحد أقدم الأحزاب، وهو حزب الخضر.
الغاية تبرر الوسيلة.. مقولة يطبقها “الخضر”
صحيفة The Guardian البريطانية قالت لقد صنع حزب الخضر الألماني اسمه تاريخياً من خلال مبادئ، أبرزها رفض الإنفاق العسكري المرتفع والطاقة النووية والوقود الأحفوري الملوث للبيئة، لكن منذ توليه مكانته كجزءٍ من الحكومة الائتلافية برئاسة المستشار شولتز، أصبح حزب الخضر أكثر دعاة البوندستاغ صراحة لدعم المقاومة الأوكرانية بالأسلحة الثقيلة.
كما مدد الحزب وقت تشغيل ثلاث محطات للطاقة النووية، كان من المقرر إغلاقها في نهاية عام 2022، كما أعاد تنشيط محطات الفحم، وأنشأوا أول محطات في البلاد لاستيراد الوقود الأحفوري في شكل مسال.
الغريب أن ذلك التغيير في مبادئ الحزب يبدو مرحباً به من جانب الناخبين، إذ على عكس شريكيهم في تقاسم السلطة، الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، يحظى حزب الخضر حالياً بنصيب أعلى من الأصوات مما حققه في الانتخابات الفيدرالية، في سبتمبر/أيلول 2021.
كما أن الحزب لديه أبرز سياسيين في البلد، وزيرة الخارجية أنالينا بربوك، ووزير الطاقة روبرت هابيك، يحظيان بأعلى معدلات التصديق في البلاد. بعد مرور عام واحد، يمكن للحزب المناصر للبيئة أن يصبح بحق أحد الفائزين الأوائل في حقبة ما بعد أنجيلا ميركل.
فرغم إطلاق الحزب حملته الانتخابية، في سبتمبر/أيلول 2021، بناءً على وعد بمعارضة “تصدير الأسلحة إلى مناطق الحرب”، كانت بربوك هي التي شككت علناً في إحجام المستشار أولاف شولتز عن شحن الدبابات إلى أوكرانيا هذا الصيف. وبدا أنها استنفدت ثقتها في نهاية مسيرتها الفاشلة لمنصب المستشارية، وواجهت وزير الخارجية الروسي بصراحةٍ غير عاطفية كان أسلافها يفتقرون إليها.
العودة للفحم والمحطات النووية في ألمانيا
في غضون ذلك، اضطر هابيك، وزير الطاقة ، إلى اتخاذ خيارات تتعارض مع تأييد حزبه لمصادر الطاقة المتجددة، حيث قلبت الحرب الروسية في أوكرانيا عقوداً من سياسة الطاقة الألمانية.
لكنه فعل ذلك بقوة، إذ أقرت وزارة الاقتصاد، بتوجيه منه، 29 قانوناً جديداً في غضون الأحد عشر شهراً الأولى، وقد نجح أسلافه في كل من الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة، في تحقيق 40 قانوناً خلال أربع سنوات كاملة.
قام هابيك بتأميم شركة الطاقة Uniper، أكبر مستورد للغاز في البلاد، ووضع الشركات الألمانية التابعة لشركتي Rosneft وGazprom الروسيتين تحت الوصاية، وتمكن من ملء صهاريج تخزين الغاز في البلاد إلى 100% بحلول بداية فصل الشتاء، وذلك رغم التوقف التام لعمليات التسليم من روسيا. إذا تمكنت البلاد من تجنب سيناريو تقنين الغاز هذا الشتاء، فسيكون ذلك في جزء كبير منه بسبب وضع البراغماتية فوق المواقف الأيديولوجية.
قالت كلوديا كيمفرت، خبيرة الطاقة في المعهد الاقتصادي الألماني، للصحيفة البريطانية: “لقد ورثت هذه الحكومة فوضى كاملة، وتظهر على الأقل نوع الطموح والديناميكية التي افتقر إليها أسلافها في محاولة تنظيف الفوضى. إنها ترتكب أيضاً أخطاءً، لكنها تجعل الكثير من الأمور في نصابها الصحيح”.
إن إلقاء اللوم على حكومات الماضي في معضلة ألمانيا الحالية في مجال الطاقة لن يخدم الخضر لمدة أربع سنوات، خاصةً إذا كان هناك شعور بأن الخطوط الحمراء الأيديولوجية ساعدت في خلق المأزق في المقام الأول.
لقد تراجعت الثقة في قدرة هابيك على توجيه الاقتصاد بعيداً عن المتاعب خلال الخريف، حيث تحول إلى سلسلة من السياسات الجديدة.
كان وضع محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية في ألمانيا، والتي كان من المقرر أن يتم التخلص منها تدريجياً بحلول نهاية عام 2022، في وضع الاستعداد “احتياطي الطوارئ” قبل الإعلان عن ضرورة بقاء محطتين على الشبكة حتى أبريل/نيسان المقبل، خطوة مرهقة، ويبدو أنها تعطي الأولوية للإجراءات أكثر من الناتج عن هذه الإجراءات.
التحول من دعم البيئة إلى تشجيع الوقود الأحفوري
كانت إحدى الصفات التي مكنت هابيك وبربوك من الصعود هي المهارات الخطابية، التي تناقضت بشكل صارخ مع الطرق الصامتة التي ميزت كلاً من شولتز وميركل من قبله، لكن هذا التركيز غير المألوف على التواصل الخارجي أثار أيضاً بعض التوق إلى التعاملات الخلفية غير الشفافة، التي كانت سائدة في العام الماضي.
أصبحت فرنسا المستورد الأول في العالم للغاز الطبيعي المسال الروسي، في أبريل/نيسان ومايو/أيار، وكانت لا تزال تتسلم ما بين 7 و9% من احتياجاتها من الغاز من روسيا في أوائل سبتمبر/أيلول.
ورغم التمديد المؤقت والمحدود لأوقات التشغيل النووية، فإن رسالة حزب الخضر هي أن ألمانيا يمكنها ويجب عليها أن تذهب بنسبة 100% لمصادر الطاقة المتجددة.
قال يوهانس غونتيرت، من مشروع الكوكب، وهو مركز أبحاث صغير يحاول تقديم بديل “حداثي بيئي” لرؤية الطاقة المتجددة الحالية: “يجب أن يكون النقاش الآن: ما هو مصدر الطاقة الذي نجمع معه مصادر الطاقة المتجددة؟”.
ويضيف: “الخضر الألمان، الذين تأسسوا كحزب مناهض للأسلحة النووية وليس كطرف لحماية المناخ، للأسف ليسوا محايدين في الإجابة عن هذا السؤال”.
إذا أجبرت أسعار الغاز المرتفعة ونقص الطاقة الشركات الألمانية على الإغلاق، أو الانتقال خلال العام المقبل، فقد يحتاج حزب الخضر إلى البحث بعمق أكبر في روح حزبهم، للاحتفاظ بسمعة طيبة كجهات فاعلة في هذه الحكومة.
.