اليمين المتطرف في ألمانيا ـ تداعيات صعوده في المشهد السياسي
تقديم د. أمير حمد
أصدر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات تقريراً عن صعود اليمين المتطرف جاء فيه:
نجح اليمين المتطرف في ألمانيا في الفوز في انتخابات محلية بولايات الشرق. وأضاف حزب “البديل من أجل ألمانيا” (Alternative für Deutschland AfD) بمكاسبه الانتخابية هذه بعداً جديداً لصعوده السياسي بعد وصوله إلى البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) وإلى بعض برلمانات الولايات ومع حضوره الاحتجاجي الواسع فيما يخص ملفات الهجرة واللجوء وسياسات الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي سيكون له مجموعة من التداعيات المثيرة للقلق على صعيد المشهد السياسي والاجتماعي داخل ألمانيا،
تهديد الديمقراطية والحريات
يشكل صعود تيار اليمين المتطرف تهديداً للنظام السياسي الديمقراطي في ألمانيا، نظراً لميول اليمين إلى التمترس نحو الدولة القومية، وتشديد الإجراءات ضد الأجانب والتوجه نحو الانغلاق مع العالم والحد من فرص تفعيل دور المؤسسات الديمقراطية وتطبيق قوانين الحريات.
وقد حذرت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية من أن التطرف اليميني يشكل أكبر تهديد للديمقراطية في البلاد. وقال رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية توماس هالدينوانج، في 20 يونيو 2023، إن وكالته توصلت إلى “استنتاج محزن” بأن التطرف من جميع الأطياف – خاصة من اليمين المتطرف- آخذ في الارتفاع في ألمانيا، مع وصول عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية التي ارتكبها المتطرفون إلى مستوى قياسي.
وكانت قد خططت مجموعة مستوحاة من أيديولوجية الرايخ بأن الدولة الألمانية الحديثة غير شرعية لاقتحام مبنى البرلمان واعتقال النواب قبل الإطاحة بالحكومة، وفق ما كشف عنه الادعاء العام الألماني، في 23 يناير 2023.
ويشكل فوز حزب “البديل” (AfD) اليميني لأول مرة في انتخابات محلية في شرق ألمانيا في يونيو 2023 “إشارة تحذير”، بحسب زعيمة حزب الخضر ريكاردا لانغ، مضيفة أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يشكل “خطراً على الديمقراطية”. وسبق أن صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور في مارس 2021 حزب “البديل من أجل ألمانيا” بأكمله على أنه “قضية متطرفة يمينية مشتبه بها”. ومن بين (38,800) متطرف يميني أحصتهم الوكالة عام 2022، هناك أكثر من (10,000) عضو في الحزب.
تزايد العداء للمهاجرين والأجانب
يرتكز فكر اليمين المتطرف على مناهضة الهجرة وحشد العداء ضد الأجانب وتحديداً المسلمين والترويج إلى أن ارتفاع معدلات العنف والإرهاب مصدرها بالأساس فتح أوروبا أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين الأعوام الماضية.
تبنى حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف خطاباً معادياً داخل المؤسسات التعليمية والمظاهرات وعبر شبكة الإنترنت وتكوين صورة ذهنية ثابتة بأن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي نتاج الهجرة ، ومن هنا ظهرت دعوات لإعادة اللاجئين لبلدانهم وتحولت إلى شعارات انتخابية لكسب ثقة الناخبين. وقد أعلنت زعيمة “حزب البديل من أجل ألمانيا” أليس فايدل في 30 يوليو 2023 إن حزبها يريد تحويل الاتحاد الأوروبي إلى “حصن” ضد المهاجرين.. “لحماية وطننا، ونحن نفعل ذلك مع شركائنا الأوروبيين”.
وعليه، إذا استمرت شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الصعود، فإنها ستحصد المزيد من المقاعد السياسية، سواء في الحكومة أو البرلمان، مستفيدة من تصويت المواطنين الألمان المتضررين من قضية الهجرة لصالحهم خلال الانتخابات المقبلة. ومن ثم، إذا نجح الحزب في تحقيق ذلك، فإنه لن يتردد في تبني سياسات أكثر عدوانية تجاه المهاجرين واللاجئين، بل قد نجد ألمانيا تقوم بإعادة فرض ضوابط حدودية دائمة، وقد يتم إغلاق الحدود الخارجية مع الاتحاد الأوروبي بالكامل؛ وذلك على حد قول الحزب.
بالتزامن مع تصاعد حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الانتخابات الألمانية على المستوى المحلي، واستطلاعات الرأي للانتخابات على المستوى الفيدرالي في 2025. صرحت الحكومة الألمانية في الأول من أغسطس 2023 بأن هناك تقارير عن (80) جريمة ضد اللاجئين ومخيمات اللجوء ذات دوافع سياسية في النصف الأول من عام 2023، معظمها تتعلق بشخصيات يمينية متطرفة.
تثار المخاوف من مساعي نحو تشديد الإجراءات ضد المهاجرين من قبل الحكومة الألمانية والأحزاب المحافظة والليبرالية لمواجهة تصاعد الأحزاب اليمينية. قال فريدريش ميرتس زعيم المعارضة المحافظة في ألمانيا في 11 يوليو 2023 إن الهجرة واسعة النطاق هي واحدة من أكبر المشاكل في البلاد والسبب الرئيسي لزيادة الدعم لليمين المتطرف في الآونة الأخيرة. وأضاف: “قضية اللاجئين ستبقى الموضوع الرئيسي في مجتمعنا في الأسابيع والأشهر المقبلة، وربما حتى في السنوات المقبلة، وهذا هو السبب في أنني مهتم جدا بإيجاد حل.. كلما تم حل المشكلة بشكل أسرع، كلما أصبح هذا الحزب (حزب البديل من أجل ألمانيا) أصغر مرة أخرى”، مدعياً أن الكثير من دعمه يأتي من الناخبين المحتجين على قضية الهجرة.
تفكيك الاتحاد الأوروبي
تصل خطورة اليمين المتطرف إلى مستقبل التكتل الأوروبي، نظراً للتشكيك في دوره والترويج إلى أنه مهدد لقومية الشعوب الأوروبية . تقدم مسودة البرنامج الانتخابي لحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) بشكل مثير للجدل رؤيتها لـ “أوروبا من بلاد الآباء” التي تتكون من “دول ديمقراطية ذات سيادة”. ويعلن البرنامج كذلك أن الحزب قد نفد صبره مع الاتحاد الأوروبي وأنه سيدعم الحل التدريجي للكتلة لصالح مجتمع من المصالح الاقتصادية والمشتركة.
اتهمت زعيمة حزب “البديل من أجل ألمانيا” أليس فايدل خلال مؤتمر الحزب في 30 يوليو 2023 الاتحاد الأوروبي بأنه “غير ديمقراطي للغاية ومفرط في التجاوز”، ودعت إلى الموقف اليميني المتطرف المشترك بأنه يجب أن تكون هناك “أوروبا من الأوطان” وإعادة اختصاصات الاتحاد الأوروبي إلى السياسة الوطنية “حيث يجلس ممثلو الشعب المنتخبون في البرلمانات”. صوت المندوبون للموافقة على نية القيادة الانضمام إلى مجموعة الهوية اليمينية المتطرفة (الهوية والديمقراطية) في الاتحاد الأوروبي التي تم إنشاؤها في عام 2019 وتضم شعبويين يمينيين من تسع دول في الاتحاد الأوروبي . وبينما يقول الذين يعارضون هذا النهج إنه يهدد استقلال حزب “البديل من أجل ألمانيا” ومصداقيته كقوة مناهضة للاتحاد الأوروبي، يقول المؤيدون إن الانضمام إلى مجموعة الهوية سيسمح للسياسيين اليمينيين المتطرفين بمحاربة الاتحاد الأوروبي من الداخل. اليمين المتطرف في أوروبا ـ المخاطر والتهديدات
تنامي معاداة السامية في ألمانيا
يساهم اليمين المتطرف في تنامي معاداة السامية وكراهية اليهود في ألمانيا. تشير الإحصائيات الرسمية في ألمانيا في 11 مايو 2023 أن غالبية الجرائم المرتبطة بمعاداة السامية بنسبة (84%) نسبت إلى اليمين المتطرف.
يحذر فيليكس كلاين، المفوض الخاص للحكومة الألمانية لمكافحة معاداة السامية في 8 مايو 2023، من أن النجاحات الأخيرة لحزب “البديل من أجل ألمانيا” قد تكون مرتبطة بارتفاع معاداة السامية. ويسلط الضوء على العلاقة بين عدم الرضا الاجتماعي ومظاهر المشاعر المعادية للسامية.
سعى حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) وفي محاولة لكسب الشرعية وتوسيع نطاق جاذبيته، إلى طمأنة اليهود والتعامل مع إسرائيل. زار البرلمانيان عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” ماتياس موسدورف ومارك جونغن ياد فاشيم، النصب التذكاري للهولوكوست، في القدس في 2 مايو 2023. ومع ذلك، فقد قوبلت نواياهم بالشكوك من قبل الجالية اليهودية. اجتذب الحزب الأفراد الذين يدافعون عن إنكار الهولوكوست، ويحاولون تبييض سجل هتلر ، وحتى الدعوة إلى إزالة نصب الهولوكوست في برلين. ويصف رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا ذلك بأنه “خرق للسد لا يمكن للقوى السياسية الديمقراطية في هذا البلد قبوله ببساطة”. محاربة معاداة السامية في ألمانيا ـ اِرتفاع معدل الجريمة
تزايد معاداة المسلمين “الاسلاموفوبيا”
تزامن صعود تيار اليمين المتطرف في ألمانيا، مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب.
حسب تحقيق أجراه مجلس خبراء الاندماج والهجرة نشر في خريف عام 2022 عبر حوالي ثلث إلى نصف الذين تم استطلاع رأيهم عن وجهات نظر معادية للمسلمين والإسلام. وكل أسبوع تقريباً هناك تقارير عن إلحاق أضرار بأحد المساجد في ألمانيا. وذكر تقرير صادر عن وزارة الدولة للهجرة واللاجئين والادماج الألمانية في 11يناير 2023 أن هناك ما يقرب من (22000) هجوم لليمين المتطرف كل عام في ألمانيا، استهدف فيه المسلمين بنسبة (55٪) أكثر من أي دين أخر. كما تم تسجيل (732) اعتداء عنصرياً في البلاد في عام 2021، استهدف (54) منها دور العبادة أو المساجد أو المباني التابعة للجالية المسلمة، وأن هذه الهجمات مرتبطة باليمين المتطرف والنازيين الجدد.
ومما يزيد من مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، هو محاولة الحكومة الألمانية وبعض الأحزاب السياسية، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطاب يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف كسب مزيد من الأصوات الانتخابية، وهو ما يدفع الحكومة الألمانية إلى اتخاذ خطوات ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يستغل اليمين المتطرف قضايا الرأي العام مثل الهجرة والهجمات “الإسلاموية” الإرهابية وأزمة الطاقة وأزمة أوكرانيا والتضخم في حشد الأصوات وتأجيج المظاهرات والاحتجاجات واستقطاب أعضاء جدد لخدمة أجندتهم السياسية.
– وصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) إلى أعلى مستوى في استطلاعات الرأي في الولايات الشرقية الشيوعية سابقاً في ألمانيا، حيث أصبح الآن الحزب الرئيسي، حيث اجتذب حوالي ثلث الناخبين. على الصعيد الوطني، يتعادل في استطلاعات الرأي مع الديمقراطيين الاجتماعيين بزعامة المستشار أولاف شولتس. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يشكل حزب “البديل من أجل ألمانيا” أخطر تهديد له للمؤسسة السياسية الألمانية منذ عام 2017، عندما أصبح أول حزب يميني متطرف يدخل البرلمان منذ الحرب العالمية الثانية.
– عودة اليمين المتطرف الى السياسة الألمانية، وبالتأكيد هذا ساعد ويساعد في انتشار هذه التنظيمات وخروجها الى العلن ربما في محاولات أخرى لنشر الفوضى واسقاط مؤسسات الدولة الفيديرالية.
– مع صعود تيار اليمين المتطرف في ألمانيا، من المتوقع تنامي خطاب وجرائم معادة السامية، والاسلاموفوبيا، وكراهية الأجانب. يشكل حزب “البديل من أجل ألمانيا” القومي والمناهض للهجرة تهديداً للتماسك الاجتماعي، حيث أن سياساته المثيرة للانقسام وخطابه الطبيعي يخاطران بتآكل القيم العزيزة المتمثلة في الشمولية والتسامح. علاوة على ذلك، إذا استمر نفوذ اليمين المتطرف في النمو، فإن سمعة ألمانيا الدولية كدولة ملتزمة بحقوق الإنسان يمكن أن تتعرض للخطر.
– نمو حزب “البديل من أجل ألمانيا” قد يضر بألمانيا اقتصادياً من خلال تخويف رأس المال الأجنبي والعمالة الأجنبية اللازمة لسد النقص الواسع النطاق في العمالة.
– ان صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في المشهد السياسي الألماني والأوروبي – داخل الحكومات أو المعارضة – يؤدي إلى خلق تحديات كبيرة للديمقراطيات في أوروبا. أصبح لدى اليمين المتطرف في أوروبا القدرة على التأثير على وحدة وتماسك الاتحاد الأوروبي وصنع سياسات متشددة تؤثر على عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالأزمات والقضايا الدولية. وقد تصبح وحدة الاتحاد الأوروبي مهددة للانقسام وانسحاب دول جديدة من التكتل الأوروبي.
– يبدو أنه كلما طال أمد الحرب الروسية الأوكرانية، زاد التطرف الذي من المرجح أن تشهده ألمانيا في الوقت الذي تكافح فيه من خلال الركود وزيادة المهاجرين. كما أن الضائقة الاقتصادية المتزايدة ستعرقل أي تقدم نحو التحول إلى الطاقة الخضراء. إن إيجاد نهاية تفاوضية للحرب من شأنه أن يجلب الاستقرار الاقتصادي والسياسي لألمانيا ودول أوروبية أخرى ، وهو عامل يجب أخذه في الاعتبار نظراً للتهديدات السياسية الداخلية التي تواجه ألمانيا الآن.
– وعلى نطاق أوسع، فإن صعود اليمين المتطرف في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بمثابة علامة تحذير حول كيف يمكن للإصلاح المتوقف لقواعد الهجرة والمشاكل الاقتصادية ومعدلات التضخم المرتفعة – فضلاً عن التنفيذ المكلف للسياسات الخضراء في الاتحاد الأوروبي – أن يعزز الأحزاب الشعبوية والمناهضة للمؤسسة.
– ينبغي على الأحزاب الألمانية التقليدية إعادة مراجعة سياساتها والأخطاء التي أفقدتها ثقة الناخب منعاً من سقوط المجتمعات الأوروبية في بؤرة لا تنتهي من التطرف لصعود اليمين المتطرف.
: