الدول العربية تعاني من هجرة الأدمغة والكفاءات

الدليل ـ برلين

تشكل هجرة الأدمغة من الدول العربية هاجسًا لدى بعض الحكومات، لما لذلك من تأثيرات سلبية على مستوى الحياة في البلاد.

وما زاد من حدة الأزمة، هو هجرة الأطباء التي ضربت قطاع الصحة في أكثر من دولة عربية، خصوصًا بعد جائحة كورونا، حيث فتحت بعض الدول الغربية المجال أمام الكثيرين للانتقال للعيش فيها، مع محفّزات مادية ومهنية كبيرة.

ورغم أن ظاهرة هجرة العقول العربية بدأت منذ القرن التاسع عشر و ازدادت وتيرتها في القرن العشرين و خصوصًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفق تقارير لجامعة الدول العربية، فإن فترة نهاية القرن الـ20 وبداية القرن الـ21، شهدت زيادة في هذه النسب.

كما أن للثورات العربية التي انطلقت شرارتها من تونس عام 2011، وما تبعها من أحداث في معظم الدول العربية، دفع مواطني هذه البلدان، وتحديدًا النخب، إلى السفر بحثًا عن الاستقرار.

ووفق تقرير لموقع Global Economy المتخصص بدراسة الآفاق الاقتصادية للبلدان، اتضح أن بلدان العالم العربي تتفاوت في ما بينها على صعيد مغادرة الكوادر العلمية.

وإذ تصدّرت سوريا المشهد ـ نظرًا للحرب الدائرة منذ سنوات هناك ـ يأتي بعدها المغرب ثم اليمن والعراق ولبنان ثم تونس والجزائر ومصر وليبيا وكانت قطر الأقل من بين هذه البلدان من جهة قلة هجرة الكفاءات.

هجرة الأطباء

من جهة أخرى، نشرت منصة ستاتيستا الإحصائية تقريرًا يوضح ترتيب الدول التي شهدت أكبر نسبة من هجرة الكوادر الطبية المدرّبة، وإذا تصدرت الهند المشهد بمغادرة 74455 طبيبًا البلاد عام 2021، كانت مصر في المرتبة الأولى عربيا بعد سفر 12525 طبيبًا.

ووفق دراسات لـ”الأونيسكو” والجامعة العربية والبنك الدولي، فإن العالم العربي خسر ثلث طاقته البشرية في ظل هجرة الأدمغة التي تشهدها بلدانه.

وأشارت هذه الدراسات إلى أن وجهة الكوادر العرب كانت بمعظمها دول أوروبا وأستراليا وكندا.

ولفتت إلى أن ما يُقارب من 50% من هؤلاء هم أطباء متخصصون، و23% تقريبًا مهندسون، أما النسبة المتبقية فهم اختصاصيون في مختلف المجالات.

ووفق هذه الدراسات، فإن الأزمة تكمن في أن 54% من الطلاب العرب الذي يسافرون للعلم، لا يعودون إلى أوطانهم لندرة فرص العمل.

وتعد نسبة هؤلاء كبيرة في الدول الأوروبية، وعلى سبيل المثال، 34% من الطلاب في بريطانيا هم من دول عربية. كما أن 100 ألف طبيب ومهندس يأتون  إلى المملكة المتحدة سنويًا قادمين من الأردن ومصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر.

كل هذه الأرقام، دفعت المتخصصين والمؤسسات العالمية إلى توجيه تحذيرات للدول العربية من أنه في حال استمرار هذا التدفق في الكفاءات، فإن تلك البلدان ستشهد تراجعًا على مستوى الخدمات، كما أنها لن تتمكن من الوصول إلى المستويات المطلوبة من النمو.

هجرات أخرى

كما يهاجر أيضا شباب من فئات مجتمعية مختلفة. الرياضيون أيضا يهاجرون لنفس الأسباب.

مثلا  قرّر نادي “جمعية غار الدماء” لكرة القدم، الناشط في الدرجة الرابعة من الدوري التونسي، تعليق نشاطه بسبب هجرة أكثر من ثلاثين لاعباً من صفوفه بشكل غير قانوني إلى دول أوروبية.

وقال رئيس النادي: “أوقفنا النشاط وعلقنا اللعب منذ عشرين يوماً” بسبب “تزايد الهجرة غير القانونية للاعبين، خلال الثلاث سنوات الفائتة هاجر 32 لاعباً من الفريق إلى دول أوروبية”.

وعلّل المسؤول سبب هجرة اللاّعبين “بانعدام الموارد المالية وضعفها، لا نستطيع شراء التجهيزات والأقمصة والأحذية الرياضية”، فضلاً عن أن “اللاعبين لا يتمتعون بمنح مالية”.

وتواترت في السنوات الأخيرة ظاهرة هجرة لاعبين من فرق رياضية تونسية في عمليات هجرة غير قانونية نحو السواحل الايطالية. ومنتصف شباط/فبراير الماضي، هاجر حارس مرمى ناد بالدوري التونسي بطريقة غير قانونية عبر البحر إلى إيطاليا، على ما أعلن ناديه آنذاك.

وأوضح متحدث باسم النادي أن قرار اللاعب خليل الزوالي (19 عاماً) كان بسبب “الأزمة المالية والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها النادي”.

تقرير يوثق تصاعد مؤشرات الهجرة لدى الشباب العرب

على مدى السنوات الماضية، تحولت البلدان العربية، من المحيط إلى الخليج، إلى معامل تصدير مهاجرين، خاصة من أوساط الشباب الباحثين عن الأمن أو المستقبل الأفضل أو المساحة الأرحب للتعبير بشيء من الحرية.

لا تمييز محدد هنا بين هجرة “العرب” وغيرهم من الشعوب والأمم الأخرى، لكن بعض أنماط الهجرة يمكن أن تحظى ببعض التمايز عن غيرها، خاصة إذا تشاركت بالأسباب والنتائج نوعا ما.

نسب الأشخاص الراغبين في الهجرة عالية جدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحتل كل من الأردن والسودان وتونس رأس القائمة، حيث يرغب ما يقرب من نصف السكان في المغادرة، وفقا لمسح أجراه “الباروميتر العربي”. شمل البحث عينة من أكثر من 33 ألفا، توزعوا على 14 دولة. نتائج البحث أفضت إلى أن نحو 30% من سكان هذه الدول يسعون للهجرة لأسباب تنوعت بين اقتصادية وسياسية وأمنية وتعليمية.

وتبلغ النسبة الأعلى في الأردن، حيث أشارت نتائج المسح المنشورة على موقع الشبكة البحثية إلى أن ما يقرب من نصف من تم استجوابهم (48%) يريدون مغادرة المملكة. في حين جاءت مصر في المرتبة الأدنى من تلك الناحية حيث عبر 13% فقط عن رغبتهم في الهجرة.

وتأتي العوامل الاقتصادية على رأس قائمة الأسباب التي تدفع السكان للسعي للهجرة. وكشف استطلاع “الباروميتر العربي” أن 97% من الذين استطلعت آراؤهم في مصر ذكروا أن الصعوبات الاقتصادية تقف وراء اختيارهم الهجرة، في حين بلغت تلك النسبة 93% في الأردن، لكنها انخفضت في ليبيا إلى 53%.

.