الانتخابات الألمانية .. الاختبار الحاسم لأوروبا

عادل فهمي
في دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات تقول: يشهد المشهد السياسي في ألمانيا تحولاً مع تراجع الدعم لأحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وهو ما تفاقم بعد انهيار التحالف بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة المستشار أولاف شولتز، والخضر، والحزب الديمقراطي الحر. وتعتبر نتائج الانتخابات المبكرة في ألمانيا اختبارا حاسما ليس فقط للسياسة الألمانية بل للمستقبل السياسي لأوروبا، وذلك بالتزامن مع تزايد شعبية الأحزاب الشعبوية مثل “البديل من أجل ألمانيا” (AfD).
وفيما يلي أبرز الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الألمانية:
الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD)
يعتبر الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD) أقدم الأحزاب في ألمانيا. تأسس الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD) في أكتوبر 1890، تشير التقديرات إلى أن عدد الأعضاء داخل الحزاب يبلغ (363000).
تعود نشأة الحزب إلى الاتحاد العام للعمال الألمان “ADAV”، الذي تأسس في عام 1863 وحزب العمال الديمقراطي الاجتماعي “SDAP”، الذي تأسس في عام 1869، واللذين اتحدا معا في عام 1875 تحت عنوان حزب العمال الاشتراكي الألماني “SAP”، والذي تحول اسمه في 1890 إلى “SPD”.
يسعى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD) إلى بناء دولة ذات توجهات اجتماعية، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن أبرز قيادات الحزب السابقين “فيلي برانت” المستشار الاتحادي من 1969 حتى 1974، “هيلموت شميت” المستشار الاتحادي من 1974 حتى 1982، “غيرهارد شرودر” المستشار الاتحادي من 1998 حتى 2005.
أطلق المستشار الألماني “أولاف شولتز” حملته الانتخابية لخوض انتخابات فبراير 2025 المبكرة كمرشح رسمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي وسط دعوات من بعض أعضاء حزبه لتقديم وزير الدفاع “بوريس بيستوريوس” كمرشح بديل، لكن “بيستوريوس” أعلن عن عدم الترشح للانتخابات.
الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني “CDU”، الاتحاد الاجتماعي المسيحي “CSU”
تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني “CDU”، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي “CSU” في ولاية بافاريا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. يبلغ أ عضاء حزب “CSU” حوالي (126000)، بينما يبلغ عدد أعضاء “CDU” حوالي ( 363000 ). يعتبر حزبا “CDU/CSU” حزبين جماهيريين، يجمعا بين مصالح مختلفة ومتفاوتة، ويتمتعا بذلك بالقدرة على تمثيل جزء كبير جدا من المواطنين والتحدث باسمهم وممارسة السياسة نيابة عنهم. يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني “CDU” في الانتخابات في كافة الولايات الاتحادية، باستثناء بافاريا، التي يفسح فيها المجال لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي “CSU”.
يعرف هذا الارتباط بين الحزبين عادة باسم “الاتحاد” اختصارا، ويشكل الحزبين في البوندستاغ كتلة نيابية مشتركة. من أبرز القيادات “كونراد آدناور” أول مستشار اتحادي من 1949 حتى 1963، “لودفيغ إيرهارد” المستشار الاتحادي من 1963 حتى 1966، “كورت غيورغ كيسينغر” المستشار الاتحادي من 1966 حتى 1969، “هيلموت كول” المستشار الاتحادي من 1982 حتى 1998، “أنجيلا ميركل” أول سيدة تشغل منصب المستشار الألماني الاتحادي من 2005 حتى 2021.
واتفق زعيما الحزبين في ألمانيا على ترشيح الليبرالي “فريدريش ميرز” لمنصب المستشار في انتخابات 2025، لمواجهة الائتلاف الحاكم بزعامة “أولاف شولتز”.
الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا “FDP”
تأسس الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا “FDP” في العام 1948، وتشير الاحصائيات إلى أن عدد الأعضاء يبلغ (72000). يلتزم الحزب بالحريات المدنية، شارك الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا “FDP” في حكم ألمانيا لمدة 46 سنة، بصفته شريكا صغيرا في الحكومات الائتلاف الاتحادية. وعلى مدى حوالي ربع قرن شارك في وضع أسس السياسة الخارجية الألمانية.
كان الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا “FDP” أكبر الدعاة إلى تجاوز الحرب الباردة من خلال التفاهم والحوار، وكذلك من أشد معارضي تقسيم ألمانيا وأوروبا. من أبرز قيادات الحزب “تيودور هويس” أول رئيس جمهورية اتحادي من عام 1949 حتى 1959، “فالتر شيل” وزير الخارجية (1969-1974) ورئيس الجمهورية الاتحادي (1974،1979)، “هانس- ديتريش غينشر” وزير الخارجية (1974،1992).
حزب الخضر
نشأ حزب الخضر من تجمع من مجموعات مختلفة، غالبيتها من اليسار، ومن نشطاء البيئة، والحركات المناهضة للطاقة النووية. يبلغ عدد الأعضاء بحوالي (126000)، يهدف الحزب إلى الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية. في 1985 شكل “يوشكا فيشر” الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية، أول مشاركة حكومية للخضر، من خلال تسلمه وزارة البيئة في ولاية “هيسن”. شارك حزب الخضر في حكومات ائتلافية على مستوى الولايات مع جميع الأحزاب الألمانية، ما عدا حزب البديل من أجل ألمانيا “AfD”.
يتطلع الحزب على المدى البعيد إلى جمهورية أوروبا الفيدرالية. ومن أبرز قيادات الحزب “يوشكا فيشر” وزير الخارجية الأسبق. “فينفريد كريتشمان” منذ 2011 رئيس وزراء ولاية “بادن فورتمبيرغ”.
أعلن حزب الخضر الألماني ترشيح وزير الاقتصاد “روبرت هابيك” لمنصب المستشار في انتخابات البرلمان الاتحادي في 23 فبراير 2025.
أكدت “أنالينا بيربوك” دعمها لاختيار “هابيك” مرشحا رئيسيا للحزب، واصفة إياه بأنه شخص “براغماتي فوق العادة”، ومشيرة إلى أنه بصفته وزيرا للاقتصاد تمكن من المحافظة على المسار خلال الأزمات، وأنه حرر ألمانيا من الاعتماد على روسيا كمورد للطاقة، متعهدة بدعمه في حملته.
حزب البديل من أجل ألمانيا “AfD”
تأسس حزب البديل من أجل ألمانيا “AfD” في عام 2013، يقدر عدد الأعضاء داخله بحوالي (40000). يتطلع الحزب اليميني الشعبوي إلى خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي وإلى إلغاء التعامل باليورو. كما أنه يرفض الهجرة بشكل كبير وكذلك الإجراءات المتعلقة بحماية المناخ. يتم تصنيف الحزب من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور على أنه مشتبه فيه بالتطرف اليميني. هذا وتخضع جهات من الحزب للمراقبة بسبب تبنيها أفكارا يمينية متطرفة معارضة للدستور الألماني. يتواجد الحزب في برلمانات جميع الولايات وكذلك في البرلمان الاتحادي وهو يتمتع بالقوة بشكل خاص في الولايات الاتحادية الشرقية.
احتل حزب البديل من أجل ألمانيا المركز الأول في الانتخابات التي جرت في ولاية تورينجيا بشرق ألمانيا في الأول من سبتمبر 2024 بحصوله على (32.8%) من الأصوات. احتل المركز الثاني في ولاية ساكسونيا الشرقية في الانتخابات التي جرت.
واختار حزب “البديل من أجل ألمانيا” بالإجماع رئيسة الحزب “أليس فايدل” مرشحة لمنصب المستشار في الانتخابات البرلمانية المبكرة .
حزب اليسار
تأسس حزب اليسار في عام 2007، ويبلغ عدد الأعضاء حوالي (50000) وتفرض هيئةُ حماية الدستور رقابةً على بعض أعضاء الحزب بسبب الشكوك في ميولهم اليسارية المتشددة، التي تتعارض مع أسس النظام الديمقراطي الحر. يمثّل حزبُ اليسار الاشتراكيةَ الديمقراطية، ويسعى إلى الخروج من حلف الناتو، وإلى تغيير الاتحاد الأوربيّ تغييرا جذريا.
انشق عنه تحالفُ سارة فاغنكنيشت (BSW) في عام 2024، ومن أبرز قيادات الحزب “غريغور غيزي”، “بودو راميلوف” رئيس وزراء ولاية “تورينغن”، أول رئيس وزراء يساري. حقق حزب “BSW” أداء قويا بما يكفي لكي يصبح على الأرجح جزءا من حكومة “ساكسونيا” الائتلافية في العام 2024.
عبرت زعيمة حزب تحالف “سارة فاغنكنيشت “في مدينة “بون” في 15 يناير 2025 عن رغبتها في الاستمرار في المعركة الانتخابية على الرغم من النتائج المخيبة لآمالها في استطلاعات الرأي. وأضافت” إنَّ حزبها ما يزال حديث العهد ولا يوجد لديه حتى الآن ناخبون تقليديون. وأنَّ الكثيرين ما زالوا لا يعرفون لمن يريدون التصويت”. وتابعت “نحن بدأنا للتو هذه المعركة الانتخابية، على أساس البرنامج الانتخابي المعتمد في مؤتمر الحزب.
نتائج الانتخابات المبكرة المقبلة “اختبارا حاسما لأوروبا”
تقول رئيسة البرلمان الأوروبي إن نتائج الانتخابات المبكرة المقبلة في ألمانيا ستكون “اختبارا حاسما لأوروبا بأكملها” مع تقدم حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف وحزب BSW اليساري المناهض للهجرة في استطلاعات الرأي. وأعربت عن قلقها بشأن الانتخابات الألمانية المقبلة وأشارت إلى أن الأداء القوي للأحزاب الشعبوية قد يكون له عواقب كبيرة على أوروبا.
أشار استطلاع للرأي في يناير 2025 إلى أنه لا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المركز الأول متقدما على حزب البديل من أجل ألمانيا، لكنه خسر نقطة مئوية واحدة وحصل على (29%). وكان الاتجاه السلبي أكثر وضوحا بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي حيث انخفض الحزب إلى (16%). بالإضافة إلى ذلك، يريد (50%) من الذين شملهم الاستطلاع صراحةً عدم مشاركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الحكومة المستقبلية. بينما حصل حزب الخضر على (14 %) وهبط حزب BSW إلى (6%). وسيصوت (5%) ممن شملهم الاستطلاع لصالح الحزب الديمقراطي الحر.
تقييم وقراءة مستقبلية
– تستعد ألمانيا لإجراء انتخابات عامة للبوندستاغ، في فبراير 2024، بعد انهيار ائتلافها الذي يضم الديمقراطيين الاجتماعيين والليبراليين والخضر. ويتسم النظام الانتخابي في البلاد بالتناسبية الشديدة.
– يمثل انهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا وإجراء الانتخابات المبكرة تحولًا كبيرًا في الحياة السياسية الألمانية، ويبدو أن انتخابات 2025 ستكون نقطة تحول في إعادة تشكيل السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا.
– من المرجح عدم حصول أي حزب على الأغلبية في البوندستاغ، لذا فإن الأحزاب والناخبين الألمان يفكرون بالفعل في التحالفات التي قد تكون ممكنة، ما يفتح المجال لظهور تحالفات جديدة، وتقدم فرصا للأحزاب التقليدية لتصحيح مسارها.
– يمكن القول أن هناك انقسام عميق في المزاج العام بين الألمان، فعلى الرغم من أن هناك حالة من القلق بشأن الوضع السياسي في ألمانيا، لا تزال بعض الفئات تظهر تفاؤلاً. هذا التباين يعكس حالة من الاستقطاب التي قد تزداد في المستقبل.
– تعكس الانتخابات الألمانية المبكرة تزايد القلق من تنامي التأثيرات الشعبوية في ألمانيا. هذا ينعكس على التحديات التي قد تواجهها ألمانيا في توجيه سياساتها الخارجية والتزامها بمبادئ الاتحاد الأوروبي، حيث قد يعزز فوز هذه الأحزاب التي تروج لقيم معادية للمؤسسات الأوروبية.
.