الاعتداءات على ساسة ألمان تعيد الذكريات النازية
محمد عبد المنعم
تعرض سياسيون ألمان لاعتداءات في خضم حملة انتخابات البرلمان الأوروبي، ممن يشبته في أنهم “نازيون جدد”، زعُم أن بعضهم كانوا يهتفون “يحيا هتلر”، وهي التحية النازية الشهيرة التي حيا العسكريون الألمان بعضهم بها إبان حكم النازي، ما يذكر الألمان بأحد أكثر فصول تاريخهم إظلاماً.
وتعرض سياسي للضرب المبرح أثناء قيامه بتعليق ملصقات حملة انتخابية، وتعرض آخر لاعتداء جسدي في مكتبة عامة، فيما تعرض ثالث للدفع والبصق من قبل مجموعة أخرى.
وصدمت هذه السلسلة من الهجمات العنيفة على السياسيين، وبينها “اعتداء وحشي”، على عضو في البرلمان الأوروبي في دريسدن، الكثيرين، وأثارت جدلاً وطنياً حول “المناخ السياسي القاسي” الذي تعيشه البلاد، حيث أجرى البعض مقارنات بين هذه الاعتداءات و”طبيعة العنف السياسي الذي صاحب صعود النازيين”، وفق مجلة “بوليتيكو”.
رئيس وزراء ولاية شمال الراين ـ وستفاليا المحافظ هندريك فوست قال في مقابلة مع التليفزيون الألماني العام، إن الهجمات الأخيرة على السياسيين “تعيد إلى الأذهان الفصل الأكثر قتامة في تاريخ ألمانيا”.
ففي الشهر الماضي، كان ماتياس إيكي، وهو سياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط، وعضو البرلمان الأوروبي، يعلق ملصقات خاصة بحملة انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة في مدينة دريسدن في شرق ألمانيا، عندما اقتربت منه مجموعة من 4 شباب واعتدوا عليه بالضرب المبرح.
ويعاني إيكي من كسور في عظمة الوجنة وإصابات في تجويف العين إلى جانب إصابات أخرى، تم على إثرها نقله إلى المستشفى.
هجمات متكررة
وفي نفس الجزء من دريسدن، هاجمت مجموعة من الشباب أيضاً أحد نشطاء حزب الخضر. وقال شهود لـ “بوليتيكو” إن أحد المهاجمين “لكمه مرتين في وجهه”، وبعد سقوط الضحية على الأرض، “ركله المهاجمون مراراً وتكراراً”.
في دريسدن أيضاً، كانت مرشحة حزب الخضر المحلية إيفون موسلر في جولة في شوارع المدينة مع طاقم من التلفزيون لوضع ملصقات الحملة الانتخابية، عندما “دفعها رجل جانباً ومزق الملصقات”، و”بصقت عليها امرأة شابة”.
الهجوم الذي تعرضت له عمدة برلين السابقة، السياسية فرانزيسكا جيفي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، داخل إحدى المكتبات العامة من رجل ضربها من الخلف على رأسها بحقيبة “مليئة بالمحتويات الصلبة”، وفقاً للشرطة، ناقوس الخطر في جميع أنحاء البلاد.
وقالت نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية، والتي تنتمي أيضاً إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي: “إننا نشهد تصعيداً في أعمال العنف المناهضة للديمقراطية”.
وأدت موجة العنف الأخيرة إلى تعهد السياسيين باتخاذ إجراءات مضادة لكبح العنف الموجه ضد ممثلي الأحزاب السياسية. ويرى البعض في هذه الموجة أصداء العنف السياسي الأكثر تفشياً ووحشية الذي انتشر في ألمانيا في فترة صعود النازيين إلى السلطة.
والتقت فيزر وزراء من المدن الألمانية لمناقشة التدابير التي يجب اتخاذها، ومنها تشديد العقوبات القانونية على الهجمات على السياسيين، للحد من أعمال العنف. وكتب الوزراء في قرارهم أن الهجمات الأخيرة “تمثل عَرَضاً لمشكلة الوحشية المتزايدة في المجتمع” الألماني.
العنف ليس يمينياً فحسب
ووفق “بوليتيكو”، فقد شهدت ألمانيا ارتفاعاً لافتاً في معدلات الجريمة ذات الدوافع السياسية، بما فيها أعمال العنف، في السنوات الأخيرة.
ففي عام 2022، شهدت البلاد وقوع 58 ألف و916 جريمة ذات دوافع سياسية، وهو أعلى معدل منذ أن بدأت السلطات في الاحتفاظ بالسجلات في عام 2001. ومن بين هذه الجرائم، 4 آلاف و43 جريمة تتعلق بارتكاب أعمال عنف.
وفي عام 2019، رأى كثير من الألمان جريمة قتل والتر لوبكه، وهو سياسي من الاتحاد المسيحي الديمقراطي كان يؤيد ترحيب أنجيلا ميركل باللاجئين، على يد أحد النازيين الجدد، على أنه “نقطة تحول سوداء في تاريخ ما بعد الحرب في ألمانيا”، حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها سياسي للاغتيال على يد متطرف يميني في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
والعام الماضي، وقع 234 اعتداء جسدي عنيف على السياسيين وممثلي الأحزاب السياسية، ما يمثل “ارتفاعاً حاداً” مقارنة بالعام الذي قبله، وفقاً للإحصائيات المؤقتة، رغم أن الرقم في السنوات الماضية كان أكبر من ذلك.
“البديل من أجل ألمانيا”
ويُلقي كثير من السياسيين باللائمة على حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وتيار اليمين المتشدد في إفساد الخطاب السياسي في ألمانيا عبر خطاب تحريضي متزايد.
وقالت كاتارينا بارلي، المرشحة الرئيسية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات الأوروبية إن “الكلمات تتحول إلى أفعال”.
وقالت الشرطة الألمانية إن واحداً على الأقل من مهاجمي النائب في البرلمان الأوروبي إيكي، في دريسدن، بدا متأثراً بالأيديولوجية اليمينية المتطرفة.
ووجد تحقيق لاحق أجرته صحيفة Süddeutsche Zeitung ومحطات البث العامة الألمانية أن 3 من أعضاء المجموعة يرتبطون بمنظمة يمينية متشددة.
وفي حالة موسلر، فقد اقترب منها مهاجمان ضمن مجموعة من الأشخاص يُزعم أن واحداً منهم على الأقل هتف: “يحيا هتلر”.
ورغم ذلك، فقد وقع سياسيو حزب البديل من أجل ألمانيا أيضاً ضحايا للعنف السياسي في ألمانيا، وفق “بوليتيكو”. ففي عام 2023، تعرض ممثلو حزب البديل من أجل ألمانيا لـ86 هجوماً عنيفاً، بما يفوق أي حزب آخر.
حزب الخضر الأكثر استهدافاً
وعادة ما يرتكب الهجمات على سياسي حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أشخاص يعتنقون أيديولوجيا يسارية، وفقاً للأرقام المؤقتة.
وتعرض ممثلو حزب الخضر لهجوم عنيف 62 مرة، بما يضعهم في المرتبة الثانية بعد نظرائهم في حزب البديل من أجل ألمانيا.
ومع إحصاء جميع أنواع الهجمات الجنائية، بما في ذلك التهديدات والتشهير، يأتي حزب الخضر على رأس قائمة الأحزاب الأكثر تضرراً بفارق كبير، حيث تعرض ممثلوه لـ 1219 هجوماً في عام 2023 مقابل 478 هجوماً ضد ممثلي البديل من أجل ألمانيا.
وحاول سياسيو حزب البديل من أجل ألمانيا إلقاء اللائمة على خصومهم السياسيين في تصاعد العنف السياسي، حتى، في بعض حالات العنف الذي تعرض له إيكي على يد أتباع مزعومين من اليمين المتطرف.
وتجلى هذا عندما أدان يورج أوربان، رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية ساكسونيا، الهجوم على إيكي، ولكنه بدا بعد ذلك وكأنه يلقي باللائمة على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث كتب على حسابه على منصة “إكس” (“تويتر سابقاً): “يجب أن يسأل الحزب الاشتراكي الديمقراطي نفسه إلى أي مدى يُسهم تحريضه المستمر ضد المعارضين السياسيين في هذا التصعيد”.
.