افتتاحُ معرض الفنان الفلسطيني خميس قَطشان

في صالة أرابيسك للثقافة والفنون البصريّة في برلين
موسى الزعيم
أقامتْ رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في أوروبا وصالة أرابيسك للثقافة والفنون البصرية في برلين، معرضاُ فنيّاً تشكيليا للفنان الفلسطيني خميس قطشان، تحت اسم “حنين” ويعدّ المعرض الفرديّ الأول للفنان قطشان في برلين، وقد ضمّ 13 لوحة فنيّة استوحت موضوعاتها من مأساة الشعب الفلسطيني وخاصّة الأحداث الأخيرة في غزّة.
حول تجربته الإبداعية يحدثنا الفنان قائلاً:
قبل هذا المعرض، كان لديّ ثلاثة معارض فرديّة في الأردن، وقد كان أوّل معرض لي 1995 في قاعة الفنيق في العاصمة عمّان، ثم تتالت الأعمال والمعارض، مما أعطاني دفعاً لمواصلة الرسم عبر تقنيات وأساليب مُتعددة.
فمن خلال تراكم الخبرة، يسعى الفنان دائماً إلى امتلاك الكثير من الأدوات والأساليب الفنيّة المتنوعة
التي من خلالها يستطيع رسم ملامح طريق خاصّة به، وعبر ذلك تبرز شخصيته الفنيّة وبصمته الإبداعية.
لكن أيّ فنان يحتاج إلى الوقت الطويل، ليتمحور إبداعه حول قضيّة معيّنة، ويجد له شخصيّة فنيّة تميّزهُ عن غيره، شخصيّة متفرّدة تميز شخصيته الإبداعية عن سواها، ولابدّ أن يمرّ ذلك عبر مراحل عديدة، ومنها المعارض وورشات العمل الجماعية وغيرها.
هذا تطوّر طبيعي بحكم التجربة والثقافة، وتعدُد المدارس الفنيّة والحوارات وغير ذلك، هذا ما حدث بالنسبة لتجربتي الخاصة مع اللوحة ومع اللون الأبيض والأسود بالتحديد، والذي اشتغلُ عليه دائماً، لكن الآن ولضرورة الحدث، استخدمتُ في هذا المعرض اللونين الأحمر الأخضر وهي ألوان العلم الفلسطيني، وبالتالي، هو تجسيد للدم الفلسطيني الذي يُراق بغزارة على أرضنا اليوم وخاصة في غزّة لذلك فمن الطبيعي جداً أن تؤثّر هذه الأحداث والمُعطيات على تجربتي، وبالتالي يتجلّى ذلك في تغير ألوان بعض اللوحات، وانتقالي من الأبيض والأسود، إلى مَزج الأخضر والأحمر معهما.



وحول المعرض يقول الفنان قطشان: في هذا المعرض اشتغلت على أغلب اللوحات بين التجريدي والرمزي والتعبيري والواقعي.
في بداياتي الفنية كانت الموضوعات مختلفة، هي مزيج بين القضايا الشخصيّة أو الإنسانية، لكن الآن
لوحات المعرض، بِنتُ الحدث الفلسطيني، مع بداية أحداث غزّة اشتغلتُ على اللوحات في بيتي
أخذتُ حيزاً صغيراً في المطبخ، وبدأت العمل، تحت ضغط الأحداث المُتسارعة، لكن فيما بعد انتقلت إلى الإقامة والعمل في صالة ارابيسك للفنون، التي وفّرت لي مكاناً وبيئة مُلهمة مناسبة للعمل والرسم بحريّة.
بالنسبة لتسمية اللوحات غالباً ما أتركُ العمل دون تسميته، لا أريد تقييد المتلقي في فهم اللوحة، فهي التي تعطيهِ المفاتيح، بحيثُ يقرؤها كما يريد، وغالباً ما تصلني قراءات مفاجئة، لم أكنْ أتوقعها عند رسم اللوحة.
في البداية اخترتُ اسم المعرض حنين وهو اسم الصحفية والشاعرة الفلسطينية والتي استشهدت مع جميع أفرادِ أسرتها بالإضافة إلى كتابتها الجميلة في غزّة.
وقد دوّنت قبل وفاتها “أنا قويّة، وقويّة جداً، لكن ليس إلى حدّ أن أعبُر هذا الليل الطويل وحدي، دون أن أموتَ مرّة أو مرتين ” فكانت اللوحة الرئيسة في المعرض باسم حنين، كانت حنين كاتبة مُبدعة، وهذا يطرحُ تساؤلاً كبيراً بالنسبة لي؛ ما أكثر الموهب والإبداعات الفنيّة والأدبية التي تُقتل كلّ يوم في أرضنا، وبالتالي يفوّت ذلك الكثير على البشرية دون الاستفادة إبداع من هؤلاء المبدعين الذين قضوا تحت القصف في مأساة فلسطين.
أمّا لوحة الأرقام، فهي تقدّم قراءة توثيقيّة، بصيغة وأسلوب فنّي “نحنُ لسنا رقماً” تحمل اللوحة عدداً من الأرقام على خلفية حمراءَ داكنة، هذه الأرقام هي عدد الضحايا، ومن بَقوا، ومن استشهدوا، والزمن الذي مرّ عليهم، والجرحى و البيوت التي هدّمت، وتكلفة الحرب، ومن هم تحتَ الأنقاض، لتغدوا اللوحة وثيقة فنية تؤرخ للمأساة الفلسطينية.
كذلك في المعرض، يمكن للمشاهد أن يلاحظ أنّ الفنان مزج أكثر من عمل فنّي في لوحة، وهذا يعكس تطوّر العمل، وزخم الأفكار في مُخيلته وتلاحق الأحداث يومياً في غزة، فتتحول اللوحة إلى ثلاث لوحات بانورامية، متتالية، متناسقة، متواشجة، فيما بينها، فالسيد المسيح، يتمسّك بالعلم الفلسطيني ليقولَ” أنا دمّي فلسطيني” اللوحة بمكوناتها الثلاث؛ تجسّد درب الألآم الفلسطيني الذي مازال مستمراً مادامت الإنسانية تُنتهكُ وحرمة الدم تستباح والعالم يتفرج بصمت.
في لوحة عيون طفلة من غزّة وهي الطفلة الوحيدة الناجية من أسرتها، يلاحظ المرء هذا البريق في عينيها، رغم الغيوم المُتلّبدة خلفها والدمار المحيط بها، إلاّ أنّ الأمل يملأ فضاء اللوحة، ويشغل المتلقي، ويفتح له هذا الأفق التخيلي على فضاء مفتوح متعدد القراءات.
لوحة أخرى مُهداة إلى فناني غزّة الذين قضوا في الإبادة الجماعية، وقد استشهد اثنان منهم ممن شاركوا في معارض صالة ارابيسك، في هذه اللوحة تجتمع أهات من رحلوا وأصواتهم، تتشاركُ اللوحة مع قارئها من خلال التراسل الشعوريّ من خلال ملامح الوجوه والخطوط الحمراء والفضاء الداكن الذي يظلل خلفية اللوحات دائما .
أما في وسط الصالة، تتربع لوحة تجسّد صورة الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، شهيدة الكلمة التي قضت برصاص المحتل عام 2022 اللوحة تمثل التنوّع الديني في أرض المحبّة والسلام، كل ذلك يمتزج مع نظرة الشموخ والتحدّي في عيني الصحفية البطلة.
كذلك لوحة الرمز الفلسطيني الشماخ، والذي يظهر من بعيد واقفاً شامخاً، لك أن تتخيّل خلف وقوفه وصموده؛ ذلك الطفل الفلسطيني الصغير الواقف أبداً شامخاً، ينظر إلى المستقبل ويحلم بالعودة القريبة.
هذه التنويعات البصريّة في لوحات الفنان قطشان تؤكد دائماً على الهوية الفلسطينية من خلال الرموز الكثيرة التي حفلت بها اللوحات والتي من شأنها أن تؤكد على تمسّك الفلسطيني بأرضه بكلّ ما تحمله هذه الأرض من تفاصيل صغيرة، فهي ملك للفلسطيني وحده، من هذه الرموز ” السيد المسيح وألوان العلم والكوفية وشجرة الزيتون وغيرها.
يرى الفنان قطشان أن تحليل العمل الفني دائماً يعتمد على ذائقة المتلقي وثقافته وخبرته وذاكراته واهتمامه بالموضوع الذي تحمله اللوحات، فلذلك تتعددُ القراءات بتعدد الذائقة، كلّ يمتلك المفاتيح الخاصّة به والتي تُدخلهُ إلى العمل الفنّي وتحرّض فيه مُتعة والتأويل والتفكيك.
لذلك جاءت موضوعات لوحات المعرض مزيج بين ما هو انساني وما يكرّس هذا الانتماء للقضية، وهي أيضاً من باب الإخلاص في المشاركة والمساندة لأهلنا في غزّة في الوقت الراهن، وهو لزام على كلّ مبدعٍ فلسطيني أو عربي، وأقلّ ما يمكن فعله في هذه الظروف الصعبة.
وبالتالي فإن الفنّ هو انتماء إلى القضايا الأكثر إنسانية والأكثر عدالة، هو انحياز فِطريّ، وواجب الفنّان المُشبك الذي يُحاول جهده توظيف إبداعه في خدمة قضيته وهذه هي رسالة المعرض التي يريد ايصالها إلى أكبر عددٍ ممكن من المتلقين، فعدد كبير من الألمان والعرب زار المعرض، وكان هناك دائما نقاشات وحوارات حول قضية الشعب الفلسطيني، كانت اللوحات هي من تثير هذه الأسئلة وتحرّض على الحوار الفاعل، الذي يمدّ الجسور بين الأنا والأخر، مما يُساهم في فهم قضّيتنا العادلة، عبر جسر الفنّ، الذي يتشارك فيه الجماليّ بالعاطفي ليترك أثراً بعيداً في النفس.
حول رأي الفنان أحمد شمّا في التجربة الإبداعية للفنان خميس قطشان:
يرى الفنان أحمد شمّا أنّ المبدع قطشان “ملكُ الأبيض والأسود” وأنّ لديه بُعد في الغرافيك وفي الرمزي التعبيري والوقعي، وقد ترجم كلّ ذلك في لوحاته، فكلّ لوحة لديها هذا الثقل الفنّي، بما تحمله من رمزية في مداها وألوانها.
يقول شمّا: عشتُ مع الفنان قطشان تجربته الإبداعية أثناء الإقامة الفنيّة في صالة أرابيسك، حيث انتقل إليها لإتمام مشروعه الفنيّ، في حين كنتُ أشتغل على عملي النحتي “عشاق فلسطين” وهو ” يجّسد رجلاً وامرأة يحتضنون بعشق، فلسطين، بيديهما” هذا العمل الفني الذي يرى الانسان الفلسطيني مشروع شهادة.
أمّا في إطار نشاطات صالة أرابيسك، تنشط صالة ارابيسك دائماً فيما يخصّ الفنّ وإقامة المعارض وكلّ ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فنيّا وابداعيّاً، فهي تعتبر المقرّ الرئيسي لرابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وكذلك ملتقى للمبدعين العرب في ألمانيا وبرلين بشكل خاص.
وقد أقمنا عدداً من المعارض الفردية والجماعية، مثل معرض النكبة، وكذلك معرض لفناني غزّة ” صدى صوت” بالإضافة إلى عددٍ من المعارض الفنية الفرديّة، مثل معرض الفنانة الفلسطينية عزّة الشيخ أحمد، و الفنان زيد عيسى من جنين.
بعد صدى صوت، كان لابّد من التركيز على موضوع غزّة، ومن هنا جاء تشجيع الفنان قطشان لإقامة معرضهِ الفردي في أرابيسك.
يمكن أن أقول أيضا: إنه يجب أن تكون حاضراً دائماً في دعم القضية وهذا هو الدور الذي انطلقنا منه، الفنان والمبدع هو الطلقة الأولى في دعم قضيته، وخاصّة أنّ القضية الفلسطينية أصبحت اليوم قضية العصر قضية عالمية، لم تقتصر على حدود أو مساحة معيّنة أو شعب.
كان حرصنا الشديد على دعوة الناس لافتتاح معرض الفنان قطشان فقد حضر أكثر من 80 شخصاً تجولوا في الصالة ودارت نقاشات وحوارات حول الأعمال الفنية، مما يعكس الاهتمام بالفنّ الهادف الذي يحمل قضية شعبه.
كما أن هناك حضور يومي للصالة و حوارات دائمة، حول الرسالة التي يجب أن تصل بفنّ رائدٍ وجميل وبشكلٍ قادرٍ على أن يعبّر عن قضيته برقيّ.
السيرة الذاتية: الفنان خميس قطشان هو من بئر السبع في فلسطين، ومن مواليد الأردن، عضو رابطة الفنانين الفلسطينيين والتشكيليين في الأردن وعضو جمعية فناني ” شبانداو كونسلار” في برلين
انتقل إلى العيش في ألمانيا سنة 2000 ،وعن تجربته التشكيلية يقول: منذ الطفولة من خلال حبي للرسم وموهبتي، بدأت مَسيرتي مع الألوان، ويعودُ الفضل في اكتشاف ذلك للأستاذ خالد البدور، الذي مدّني بالنصيحة والألوان والنقد والتوجيهات، وهذا ما اتمنّاه على كلّ أسرة ومعلّم أن يسعى دائما لاكتشاف مواهب أبنائهم وتعزيزها وتسليط الضوء عليها.
.