وعد بلفور المشؤوم ـ قراءة ثانية

د نزار محمود

 

بعد أيام تحل الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم وما ألحقه ذلك الوعد من مظالم ومآسي بشعبنا العربي الفلسطيني ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية.

لقد كتبت مئات لا بل آلاف المقالات حول هذه المناسبة المؤلمة والمجحفة بحق أهلها ممن استلبت أرضهم وأحتل وطنهم. لكني اليوم، ككثيرين غيري، أجدني بحاجة أن أشارك ولو بالكتابة، ولكن بوجهة نظر مختلفة بعض الشيء، كي لا نضيع فلسطين الحبيبة وشقيقات لها من مدن وبلدان العرب السليبة.

نحتاج اليوم، وبهذه المناسبة، أن نتذكر وبصراحة وجرأة، ما الذي مكن ودفع ببلفور أن يهب بأسطر قليلة وطناً لغرباء سارقين، مشرداً شعباً وبانياً كياناً مغتصباً وزارعاً مخلب قط مسموم ينهش بجسد تاريخ وحاضر ومستقبل أمة كلفت بحمل رسالات سماوية وأهدت البشرية حضارات عريقة.

تمكن بلفور من ذلك عندما استحقت علينا فاتورة التخلف والضعف والهوان بسبب سبات الغيرة والإباء في نفوسنا وتكاسل، لا بل وخدر عقولنا وضعف أبداننا، فلا حمية جمعتنا، ولا أفكار نورتنا ولا فرسان حمتنا، كما الآخرين وهم يغزوننا. لقد عرفت البشرية دوماً الخير والشر، والصالح والطالح من بني الإنسان منذ أن قتل قاييل أخاه هابيل. فالحق والشرف لا يصانان بالتمني، وإنما بالشجاعة والوعي والتصدي والإحساس بالكرامة.

كنا قوماً ضعفاء، متفرقين، جاهلين تمكن منا الظالمون في سرقة أراضينا واستباحة بيوتنا وتهجيرنا قتلاً وترويعاً. تكالبت علينا ذئاب الغابة عندما وجدونا عزلاً متخاصمين.

لقد فاتنا زمان في التعلم والتدرب، نسينا العمل وتثاقلنا المسير فأضحينا في ذيل القافلة ننتظر من طلائعها الخبز والسكين.

على أثر عصر النهضة وتشكل الدول القومية في أوروبا وتأسس الولايات المتحدة الأمريكية واندلاع الثورة الصناعية وتطور العلوم ومنها الحربية وظهور الحاجة للتوسع الاستعماري وتمكن شبكات رأس المال الصهيونية من التأثير لا بل والسيطرة أحياناً على قرارات كثير من القوى العظمى، يقابلها تباطؤ وتردي وتخلف في مسيرة النمو والتطور في الدول والشعوب الاخرى ومنها دول عالمينا العربي والإسلامي وما آلت إليه الأوضاع بعد الحربين العالميتين من نتائج كنا نحن العرب، على سبيل المثال، جزءً من غنائم المنتصرين، احتلالا واغتصابا وانتدابا وتبعية. فكانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وترسيم حدود ومعاهدات واتفاقات حدود واستثمارات واقتطاعات واغتصابات ومناطق نفوذ وامتيازات ودويلات ومشايخ وإمارات كلها لتعبر عن ما حل بالعرب من ظلم ونهب وإخضاع وهيمنة وابتزاز. وتبقى القضية الفلسطينية وما حل بأهلها العنوان الأكبر لتلك النتائج الكارثية.

لهذه الأوضاع، يا سادتي، وجهان: الوجه الأول هو أطماع القوى التي سلبتنا حقوقنا، أما الوجه الثاني فهو تخلفنا وضعفنا وتشرذمنا واستكانتنا وخيانات نفر من الضالين المضلين من المتحكمين في مصائر شعوبنا. علينا أن نمتلك الوعي والجرأة لنقول: نحن المظلومون نقف على قدم المساواة مع الظالمين في ما حل بنا من نكبات ومصائب! إنها ليست مسألة جلد للذات ولكنها عبرة لنا كي لا نضيع فلسطين أخرى هنا أو هناك…

بالأمس كان بلفور وسايكس وبيكو وبعض من بني جلدتنا، وغداً سيكون أمثالهم منهم ومنا، لا سمح الله…!

إننا اذ نعيش الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم نبارك للفلسطينيين المصالحة الوطنية ولجميع العاملين على نشر الوعي وزرع الهمة والكرامة في نفوس أبناء شعبنا والعمل الحثيث من أجل التعلم والتقدم ورفع الظلم الإنساني.

اترك تعليقاً