باترونه: ” العشق الحرام “

موسى الزعيم
باترونه أو العشق الحرام، مجموعة قصصيّة للكاتب الصحفيّ المصريّ المُقيم في ألمانيا حسام الدّين مصطفى جودة
تقعُ المجموعة القصصيّة في مئة وإحدى عشرة صفحة، من القطع المتوسّط ، تحوي ثلاث عشرة قصة قصيرة تراوحت كلّ قصة بين الصفحتين والخمس عشرة صفحة، بعض القصص قسمت إلى مقاطع مُتتابعة في سير الأحداث، والمجموعة صادرة عن دار البدائل في مصر.
تعالجُ المجموعة عدداً من القضايا الاجتماعية، نقرأ بعض عناوين قصص المجموعة ( 11 سبتمبر، اللّهيب ، الأسمر الوسيم، إثارة ، باترونة العشق الحرام، كائن افتراضي ، ،أوهام النبوة، ابن المبروكة ، السيد نَحس..) حيثُ أنّ أغلب القصص تحفر في عُمق معاناة المُجتمع المصري، بينما بعضها يأخذ المهاد الألماني كموضوع له تدور شخصياته العربية والألمانية وأحداثه في ألمانيا، كما في قصة الأسمر الوسيم، من جهة أخرى تراوحت موضوعات القصص بين ما هو ذاتيّ خاصّ واجتماعي عامّ، جاءت القصص بلغة ٍ بسيطةٍ سهلة ٍأقرب إلى حالة الحكاية والسّرد البسيط دون الخوض في تعقيدات اللغة أو استخدام الألفاظ حمّالة الأوجه، في بعض القصص يجنح الكاتب إلى تفكيك منظومة العلاقات الاجتماعية في المجتمع وينظر إليها بحياد.
القصص على مساحة الكتاب تذكرنا بنوعيّة القصص والموضوعات التي عالجتها القصة العربية في بدايات القرن العشرين، حيث كانت هذه القصص تُعالج قضايا الدّعارة واستغلال المرأة، وغالباً ما كان القدر يتحكّم في نهاياتها، وتعج بالسرد المجانيّ والتفصيلي لأحداث تدور في محيط شخصيّات القصة، وخاصة شخصّية البطل كما في قصّة باترونة والتي تذكرنا بأحداث عددٍ كبير من الأفلام والمسلسلات والروايات المصريّة، والتي عالجتْ قضية الفقر الماديّ والأخلاقي في بيئة القاع الاجتماعي .
ففي قصة باترونة أو “العشق الحرام”وهو العنوان الاضافي للقصة، حيث زوج الأم الأعمى ” عبد الصمد ” ” الأعمى القارئ المُبتهل، العارف بالدّين، صاحب الكرامات ، ذلك النهر الذي كان يطفئ فيكنّ جميعاً نار الرّغبة ولوعة الشوق، يشعركن أنكنّ ماتزلن إناثاً ..” عبد الصمد هذا الذي يعاشر بنات زوجته، ومنهن هذه الطفلة الصغيرة” بسمة ” التي تتلمّس وتسترق السمع لتأوهات أمّها مع زوجها، تتفتّح أنوثتها باكراًعلى علاقة مُحرّمة، لتجد نفسها ضحيّة، في أروقة بيوت الدعارة ومن ثمّ السجّن وهي ” الصورة النمطيّة التي رسمتها السينما المصريّة لهكذا حالات، أمّا جديد الحكاية في باترونة، فالحلقة تتوسّع لتشمل عملاً شبكياً يشمل فتيات من دول أخرى ” تونسيّات ، لبنانيّات ، مغريبات ..” ومدير الشبكة الشيخ البحرينيّ الزاهد في النساء، والذي تحرك أصابعه خيوط هذه الشبكة من بعيد، وكالعادة المرأة هي التي من يسهّل صفقات المال، وتحلّ عُقد الأمور لدى الرجال عبر السياّحة الجنسية.
في وقفة مـتأنّة مع القصة يمكن ملاحظة أنّ أغلب الذكور- حسب النص- يلهثون خلف جسد المرأة وعلى مساحة القصة التي تجاوزت18 صفحة تقريباً، يحاولون استغلال هذا الجسد واعتباره سلّماً لرغباتهم الماديّة وغرائزهم، وغالباً ما ينجح هذا الجسد في تحقيق المعادلة، من جهة أخرى لخّص القاص وجهة نظر “بسمة” من الذكور في شخصيّة عبد الصمد لتكون القاسم المشترك الأكبر بينهم،.. فهي تجد نفسها فجأة قريبةً من عمارتها القديمة ..” قريبة من الشخص الوحيد الذي يجمع نقيضاً في غاية الغرابة ، الأبوة والمجون ،والتديّن والانحلال، والطهر والخلاعة ..” هنا لا بد أن يتساءل القارئ لماذا اصرّ الكاتب على عودتها إلى ذلك الرجل، ليقول: إن هذه المرأة رغم كلّ انهزامها تعشق ذلك العذاب، تحنّ الى ذلك الخليط من الرجال “الرجل ” أليس الأجدر بها أن تتحرّر من عبء التاريخ الذي تحمله؟! ألا تجنح دائماً الشخصية القصصية والروائية إلى التحرر؟ في جميع الأحوال رسم الكاتب صورة المرأة “بسمة” في القصة على أنّها شخصٌ فارغٌ خالٍ من أي تعليم أو ثقافة أو تديّن ، حسب القصّة كانت مجرّد ضحيّة تلبس جسداً وتمشي على قدمين نحو جلادها.
في قصة الأسمر الوسيم وهي من القصص التي لفتت انتباهي في المجموعة حيث تبحث الفتاة الألمانية التي ولدت من أبٍ مصريّ ، ومازالت تحتفظ بذكراه بعد وفاته في ذاكرتها ملامح تلك الشخصية المصريّة السمراء التي ارتوت من ماء النيل .
“كان حكماً مدهشاً في مدينة كوتبوس القريبة من الحدود البولندية، تلك المدينة التي شهدت قصّة البداية بين أمّها القادمة من أقصى غرب المانيا، لتعمل ممرضة في أقصى شرقها، وأبيها القادم من أقصى جنوب مصر، حيث يلتقي النيل بالجبل في أرض النوبة..” القصة ترصد رواسب النظرات العنصريّة أو التفرقة بين الألمان الشرقيين فالممرضة الألمانيّة الغربية تعاني ما يعانيه زميلها المصريّ أيمن من ذات النظرات رغم انهيار جدار برلين إلاّ أن الرواسب مازالت تَعلق بالنفوس..
تثمر علاقتهما عن فتاة اسمها “دميانة ” وقد سماها الأب تيمناً بالقدّيسة المصريّة دميانة كانت تعاني من اسمها فالفارق بسيط بين دميانة بالعربية وكلمة (Dummie ) والتي تعني الغبيّة في اللغة الألمانية ، يبقى الأب النموذج بسمرته الدّاكنة محطّ اعجاب الفتاة
أليست ” كلّ فتاة بأبيها معجبة ” ؟!
بعد أن كبرت تقترح عليها صديقتها الفرنسية أن تتعرف إلى شاب عربي مصريّ من القادمين الجدد، تعيد معه إحياء لغتها العربية .. تروق لها الفكرة، تنشر إعلاناً وتذهب لانتظار الفارس المصريّ المنتظر، ترسم له صورة كصورة أبيها ، لكنه يتأخر عن موعده قرابة النصف ساعة، تتصل به لتجد أنّ الشخص المطلوب على مسافةٍ قريبةٍ منها سميناً أبيض البشرة فتغادر المكان ” أخفت هي هاتفها، ووقفت تتطلّع إليه لايمكن أن يكون هو! وما هذا الجسد المٌترهّل؟ لماذا لم يكن أسمر؟ كيف يكون مصريا ًولا يحمل لون النيل “
من قصص المجموعة أيضاً قصة الكائن الافتراضي والتي تحكي عن عزلتنا وبطولتنا عبر الشكبة الزرقاء الفيسبوكية ، لكن دون نصر حقيقي على الأرض ، بعض القصص تحرك بركة التفكير الراكدة وهو ما يحسب للكاتب فكان كثيراً ما يطرح قضايا تتعلق بانطلاق التفكير من قوقعة ما هو أيديولوجي ديني …وبعض القصص يغرق في طرح قضايا تقليدية عالجتها القصة العربية بشكل مستفيض .
.