القدس: ما عادت عروس عروبتكم؟
إغلاق الحرم القدسي أمام المصلين إهانة للمجتمع الدولي أولا، ودليل متكرر على عجز النظام العربي الشعبي والرسمي.
اسيا العتروس
بعيدا عن لغة العاطفة التي تعودنا عليها في التعامل مع الازمات العربية العابرة منها او الدائمة والمستعصية فان أول الملاحظات الواقعية التي تفرضها التطورات الخطيرة في القدس المحتلة والتصعيد الحاصل من جانب قوى الاحتلال الإسرائيلي أن القضية لم تعد قضية كل العرب ولا حتى قضية العرب والمسلمين بل القضية باتت اليوم قضية أصحابها المقدسيين الذين يواجهون احد اعقد واخطر الاختبارات التي ستحدد مصير المدينة وغير ذلك مكابرة وتزييف وإصرار على مواصلة السقوط الى الهاوية.
ها هم المقدسيون هبوا صفا واحدا واستجابوا لصرخة الأقصى وأصروا على رفض الحواجز الالكترونية وهم يستعدون لإعلان يوم الغضب والانتصار للمدينة المحاصرة في مقدساتها.
طبعا لن تكون المعركة الراهنة نهاية المطاف ولن تضع حدا للمعاناة التي طال أمدها والمعركة أعمق وأبعد من كل العقد التاريخية والحدود الجغرافية. انها معركة وجود ومصير شعب خذله العالم وتنكرت له كل القوانين الدولية التي انتصرت بمقتضاها للاحتلال وأقرت نشأة الكيان الإسرائيلي من رحمها. القدس لم تفتح أبوابها لمدة ثلاثة أيام وصوت فيروز غاب عن المدينة ولكن صداه لم يغب عن أهلها ولعلهم يستعدون للقادم وقد أدركوا أن التعويل على موقف أو دور عربي انما هو خيار انتحاري.
سيقول البعض للبيت رب يحميه وسيرد اهل القدس أنهم هناك مرابطون. ولكن ماذا لو كتب للقدس ان تتحدث اليوم ماذا عساها تحكي للعالم؟ ولو كتب للأقصى ولقبة الصخرة أن ينطقا، ماذا عساهما ان يقولا عن مأساة متجددة مع قيود الاحتلال وممارساته وانتهاكاته بعد أن عزلا عن مريديهما وفصلت بينهما وبين المصلين والزائرين الحواجز الالكترونية وفرض على ساحات الأقصى ولأول مرة منذ احتلال المدينة حصار خانق منع معه إقامة الصلاة.
الزلزال الذي هز القدس لا يبدو أنه حرك سواكن من تابعوا الحدث من شعوب وأمم عربية وإسلامية ولا يبدو أنه بلغ اسماع البرلمانات والحكومات المنصرفة الى مشاغلها وهواجسها وهمومها الكثيرة وحروبها في مواجهة دواعش العصر وما لف لفهم من شبكات التدمير والتخريب بما لم يبقِ للقضية التي كانت حتى وقت غير بعيد توصف بقضية العرب الأولى قبل أن يتضح أنها لم تعد حتى القضية قبل الأخيرة في اولوياتهم واهتماماتهم. انتهى زمن كان الغضب الشعبي رسالة الشعوب المقموعة للرأي العام الدولي لإعلان تضامنها مع القضية الفلسطينية والتمرد على الأنظمة والحكام والخروج الى الشارع وتجاوز كل القيود الأمنية.
هل نحن إزاء انتفاضة ثالثة تعيد القضية الفلسطينية الى سطح الاحداث بعد أن أصابها ما أصابها من ضياع وتراجع ونسيان في المنابر الإقليمية والدولية نتيجة الانهيار الحاصل فلسطينيا وعربيا أم أنها الحلقة الأخيرة في صراع وجودي طال أمده لفرض الامر الواقع الذي انتظرته إسرائيل طويلا بعد أن خبرت أوهام وزيف ما يوصف بالإرادة العربية بعد أن تجاوزت حالة العجز والمهانة كل التصورات؟
إغلاق الحرم القدسي أمام المصلين إهانة للمجتمع الدولي أولا وهو الذي يقف عاجزا إزاء ممارسات اخرى أبغض وأخطر أنواع الاحتلال المتبقي في عالم اليوم ويظل صاغرا إزاء انكار حق حرية العبادة للمقدسيين وفي ذلك إهانة مضاعفة لكل الأنظمة والحكومات العربية مجتمعة التي يتضح مجددا أنه لا صوت ولا موقع لها خارج صولاتها وجولاتها التي تستعرض فيها عضلاتها في التدمير الذاتي ونشر الفوضى والصراعات الطائفية وما يرتبط بها من جهل وفقر وتشرد وضياع للأجيال والأحلام.
مفتي الأقصى محمد حسين قالها بمرارة أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها منع المسلمين من اقامة صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى منذ عام 1967. وهو بذلك يعيد الى الاذهان نبوءة جولدا مائير بعد جريمة حرق الأقصى وقد اعترفت بلسانها انها باتت ليلتها متوثبة تتوقع هجوم جحافل جيوش المسلمين بعد تلك الجريمة وأنها ايقنت بعد ذلك انه لم تقوم قائمة للعرب.
ربما ينسى الكثيرون ان القدس تعود بالنظر الى وزارة الأوقاف في الأردن، وهي الجهة الرسمية المشرفة على المسجد الأقصى وأوقاف القدس، بموجب القانون الدولي الذي يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها. وقد احتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة للسلام الموقعة في 1994 من طرف الملك حسين والتي تقر وتعترف بإشراف المملكة الأردنية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة. كل المعطيات والمؤشرات تتحدث عن ارتفاع منسوب الغليان باتجاه انفجار شعبي وشيك قد يكون بداية انتفاضة ثالثة ولكن قد يتم أيضا احتواء المشهد وتنفيس حالة الاحتقان والغليان بتدخل اطراف وجهات تطوق اللهيب ولا تطفئ الحريق.
ماذا سيحدث لو تم هدم الأقصى أو تكررت جريمة الحرق للمقدسات وماذا سيحدث لو تعرضت ـ ما اصطلح على وصفها بعروس العروبة ـ للخراب؟
التجربة أكدت أنه لا شيء سيحدث سوى أن محرري بيانات الانكار والشجب الرسمية العربية فقدوا القدرة على التعبير، والشعوب تبحث عن لقمة العيش، فلم يعد لديها الوقت للبحث عن أخبار فلسطين !!